اليمن.. "إستوى العدس"!!

 

 

كل من يحب اليمن، والمفترض أن كل عربي يحب اليمن ويريد لها ولأهلها كل الخير, أن يقول للرئيس علي عبد الله صالح :الله يعطيك العافية.. لقد استوى العدس وعليك أن تغادر بإحسان فالبلد بات يعاني من انشقاق خطير دخلت القوات المسلحة طرفاً فيه وهذا يعني أن الاحتكام إلى القوة سيكون هو الخيار الذي لا خيار غيره إن لم تتغلب الحكمة على الطيش وان لم يتغلب العقل على العاطفة ويتغلب الموقف الوطني على المناكدة والمناكفة والإشارات الخادعة التي تأتي من الخارج البعيد.

لقد أمضى على عبد الله صالح ثلاثة وثلاثين عاماً في الحكم من بينها واحد وعشرون عاماً رئيساً لدولة الوحدة، أي وحدة الجنوب مع الشمال, وهذا من المفترض أن يجعل خياره صحيحاً بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه وبعد أن انحاز الجيش بثقله الحقيقي إلى ساحة "التغيير" في صنعاء وانحازت قبله ومعه القبائل إلى هذه الساحة ولهذا فإن الخيار الصحيح هو أن يبادر الرئيس إلى التنحي السلمي الذي يحفظ كرامته والذي يحافظ على بلدٍ لا هو تونس ولا هو مصر ولا هو جماهيرية القذافي البائسة، والمقصود هنا هو ليس ليبيا العظيمة, فاليمن مستودع أسلحة من بينها الأسلحة الثقيلة واليمن بلد قبائلي إن اندلعت فيه حرب أهلية، لا سمح الله, فإنها ستستمر سنوات طويلة.

ما كان علي عبد الله صالح، عندما كان ضابطاً صغيراً, يحلم بأن يصبح رئيس دولة الشمال ولا رئيس دولة الوحدة لكن المؤامرة بل المؤامرات قضت بإزالة أحمد حسين الغشمي بعد إزالة إبراهيم الحمدي فانفتحت السبل أمامه وحكم كل هذه المدة التي لم يحكمها أيٌ من الذين سبقوه، إن في الشمال وإن في الجنوب, ولعل ما يحسب لمصلحته ومصلحة تاريخية أن أول اندماج بين شطري البلاد قد تحقق في زمنه وأن عهده قد شهد استقرار العلاقات التي بقيت متوترة لعهود طويلة بين بلاده والمملكة العربية السعودية.

ربما أن الحظ قد تحالف مع علي عبد الله صالح حتى أوصله إلى رئاسة الجمهورية أولاً في الشمال وحده ثم بعد عام 1990 في الشمال وفي الجنوب معاً ليحكم في المرحلتين ثلاثة وثلاثين عاماً لكن وهذه حقيقة أن الحظ وحده ليس هو العامل الرئيسي وأن هناك عوامل أخرى من بينها أنه ينتمي إلى قبيلة "حاشد" ذات النفوذ الواسع مع أنها عددياً لا ترتقي إلى مستوى قبيلة "بكيل" وأنه ينتمي إلى المذهب الزيدي الذي كان مذهب الدولة المتوكلية التي بقيت تحكم حتى عام 1962 حيث قام عبد الله السلال بانقلابه الشهير فأسقطها وأن أحمد بن حسين الغشمي "الحاشدي" قبائلياً أيضاً والذي لم يحكم بعد اغتيال إبراهيم الحمدي إلا لنحو ثمانية شهور، حيث اغتيل بمتفجرة أرسلها إليه حكام الجنوب الاشتراكي, قد ارتقى به من ضابط صفٍ صغير إلى حاكم عسكري لمنطقة "تعز" خلال تلك الحرب الشمالية -الجنوبية وهكذا فقد انفتح الطريق أمامه واستطاع بذكائه الفطري وبإتقانه فنون المناورات والمؤامرات أن يبقى كل هذه الفترة حاكماً لبلد قبائلي لا يمكن أن يحكم بسهولة.

والآن وقد أصبحت الأمور على ما هي عليه فانه يجب أن يقول المحبون لهذا الرجل، الذي شرب السلطة والحكم حتى الثمالة, إنه من الأفضل له أن يغادر بسلاسة وسهولة وإن عليه أن يأخذ العبرة مما حدث مع الرئيس حسني مبارك، الذي أوصله الخضوع لنزوات المحيطين به الى هذه النهاية التي لا تليق به ولا بعطاءاته ولا بتاريخه,فالعناد في مثل هذه الواقع اليمني عواقبه وفي كل الحالات ستكون وخيمة وإن من أسوأ هذه العواقب هو أن ينتهي انفلات حبل الأمن والاستقرار إلى التشطير مرة أخرى.

إن هناك رسائل مُرْبِكةٌ ومشوَّشةٌ يواصل الأميركيون إرسالها إلى صنعاء على الرئيس علي عبد الله صالح ألاّ يتعامل معها بطريقة خاطئة فالأميركيون لا يمكن الثقة بهم ولا الاعتماد عليهم ويقيناً أنهم سيتخلون عنه قبل أن يصيح الديك كما كانوا تخلوا عن غيره عندما فرضت عليهم مصالحهم ذلك ولهذا فإن من الأفضل له أن يتنحى بطيبة خاطره تحاشياً للتنحي بالقوة ذات يوم قريب.. فالوقت يمضي بسرعة والمسألة غدت مسألة ساعات وأيام.