الخوف من الله
بسم الله الرحمن الرحيم
مرَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بداية توليه الخلافة متخفياً يتعرّف أخبار رعيته في أطراف المدينة، فرأى عجوزاً فسلّم عليها ولم تعرفه وقال لها : ما فعل عمر ؟، قالت:لا جزاه الله عني خيراً، قال : ولم ؟، قالت : لأنه والله ما نالني من عطائه منذ ولي أمر المؤمنين ديناراً ولا درهما، فقال لها: وما يدري عمر بحالكِ وأنتِ في هذا الموضع ؟.
قالت: سبحان الله، يتولى أمرنا ثم ينسانا! والله ما ظننت أن أحداً يلي عمل الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها .. فقال عمر في نفسه: وا عمراه كل أحدٍ أفقه منك حتى العجائز يا عمر، ثم قال لها: يا أمة ألله بكم تبيعيني ظلامتكِ من عمر فإني أرحمه من النار؟، قالت: لا تهزأ بنا يرحمك الله ، قال : لست بهزاء ، ولم يزل بها حتى أشترى ظلامتها بخمسة وعشرين ديناراً.
ترافق ذلك مع مرور علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين .. فما أن سمعت العجوز قولهما "يا أمير المؤمنين" حتى وضعت يديها على رأسها وقالت: وا سوأتاه أشتمت أمير المؤمنين في وجهه؟، فقال لها عمر : لا بأس عليكِ يرحمكِ الله، ثم طلب رقعةً وكتب عليها، بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عمر من فلانة ظلامتها منذ ولي إلى هذا اليوم بخمسة وعشرين دينارا فما تدعي عند وقوفه في المحشر فهو بريء .. شهد على ذلك علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود ورفع عمر الكتاب إلى ولده وقال: إذا أنا مِتُّ فاجعله في كفني ألقى به ربي.
وروي عن السلطان سليمان القانوني الخليفة العثماني أن موظفي القصر أخبروه باستيلاء النمل على جذوع الشجر في الحديقة وبعد استشارة أهل الخبرة خلص الأمر إلى دهن جذوع الشجر بالجير.
وقد كان من عادة السلطان حين يقدم على أمر أن يأخذ رأي مفتي الدولة الذي كان لقبه "شيخ الإسلام" فذهب السلطان بنفسه إلى دار الإفتاء كعادته لكنه لم يجد المفتي فكتب له على ورقة "إذا دبَّ النمل على الشجر فهل في قتله ضرر؟؟ وعندما عاد شيخ الإسلام المفتي إلى مكتبه أجاب على نفس الورقة وهي العادة المعروفة للسلطان بقوله: إذا نُصبَ ميزان العدل أخذ النمل حقه بلا وجل.
هكذا كان دأب السلطان سليمان القانوني إذ لا يكاد ينفذ أمراً إلا بفتوى من شيخ الإسلام أو من الهيئة العليا للعلماء.
توفي السلطان سليمان القانوني في معركة "زيكتور" في طريق جيشه إلى فينّا في بلاد النمسا، فعادوا بجثمانه إلى اسنطبول وأثناء التشييع وجدوا أنه قد أوصى بوضع صندوق قد عيّنه معه في القبر، فتحيّر العلماء وظنوا أن في الصندوق مالاً فلم يجيزوا اتلافه بوضعه بالقبر تحت التراب وقرروا فتحه فلما فتحوه أخذتهم الدهشة عندما رأوا أن الصندوق مليئ بأوراق الفتاوى التي كان السلطان يستفتيهم فيها فيأخذ بفتاويهم ويعمل بما فيها بالتمام والكمال حتى يدافع بها عن نفسه يوم الحساب أو عند السؤال في القبر.
أخذ العلماء يبكون وقال مفتي الدولة "لقد انقذت نفسك يا سليمان فأيُّ سماءٍ تظلنا وأيُّ أرض تقلنا إن كنا مخطئين في فتاوينا".
هكذا كان العلماء وهكذا كان الحكام .. مع أن الأصل في الشريعة الإسلامية أن الحكام هم العلماء وأن العلماء هم الحكام مثل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما علماءٌ حكام وحكامٌ علماء على منهاج النبوة.
ضيف الله قبيلات