اسامة الرنتيسي يكتب : نعم لنقابة المعلمين.. لا للإضراب

اخبار البلد : كتب / اسامة الرنتيسي : تتصدر هذه الأيام قضية المعلمين ومطلبهم العادل الذي تأخر أكثر من خمسين عاماً بإنشاء نقابة مهنية، وإصدار قانون للنقابة بأركانه الأربعة (إلزامية العضوية، الاستقلال المالي والإداري، ولاية القضاء في فض الخصومات، وحق المطالبة برفع العلاوات والأجور)، تتصدر اهتمام النخب السياسية، إضافة إلى اهتمام الشارع. لكن قضية التصعيد التي دعت إليها اللجنة الوطنية لإحياء نقابة المعلمين، وتمثلت في الإضراب المفتوح، والتي تعني تعطيل العملية التربوية وحرمان الطلبة من حقهم في يوم دراسي، وسّعت من دائرة الرفض لهذا التصعيد، الذي يضر أبناءنا الطلبة أولاً وأخيراً.

مشهد مغادرة الطلبة في مدارس عديدة بمختلف مناطق المملكة، وتجولهم في الشوارع منذ صبيحة الأحد، وبخاصة في المدارس التي التزم فيها المعلمون بدعوة الإضراب، مشهد مؤلم لا يقبله أحد، ولا تقبله لجنة إحياء نقابة المعلمين نفسها.

والحماس الذي أبدته القوى السياسية والنقابية والشعبية بالدعم الواسع لمطالب المعلمين في إنشاء نقابة، يجب ألا يدفع أعضاء اللجنة إلى كسب جهات معادية لمطلبهم الوطني، وأقصد بذلك أولياء أمور طلبة المدارس، والذين لن يتفهموا موقف المعلمين في وضع مستقبل أبنائهم كوسيلة ضغط لتحقيق هدفهم في إنشاء نقابة لهم.

في الدول المتحضرة، والتي وصلت فيها الحياة النقابية إلى أعلى درجات التطور، ابتكروا وسائل عديدة للإعلان عن الإضراب، وبخاصة في القطاعات التي لا تحتمل إضراب العاملين فيها، كالأطباء والممرضين مثلاً، وكذلك المعلمون الذين يرسمون مستقبل الأجيال المقبلة.

اليابانيون مثلاً ابتكروا وسائل متحضرة لإضرابات أكثر تحضراً، ففي بعض القطاعات الحساسة يلتزم كل العاملين في ذلك القطاع بدعوة الجهات التي تمثلهم للإضراب، من خلال وضع ربطة على اليد بلون معين تحدده النقابة، تؤشر من خلالها إلى أن هذا الموظف أو العامل ملتزم بالإضراب، لكنه في نفس الوقت يؤدي عمله بتفان وإخلاص حتى لا يحسب عليه أنه عطل العمل، وأوقف عجلة الإنتاج.

حكاية نقابة المعلمين في الأردن حكاية طويلة، بدأ زخمها مؤخراً بعد أن عارضت حكومة سمير الرفاعي التي أقيلت مطلع كانون الأول (ديسمبر) الماضي إنشاءها تحت حجة مخالفتها للدستور بحسب المادة 120 منه، لكن حكومة معروف البخيت التي خلفتها آثرت الاستماع لمطالب المعلمين، وأشارت إلى دعمها لإنشاء النقابة، بعد أن يتم إبداء الرأي من المجلس العالي لتفسير الدستور، وهو المجلس الذي أفتى سابقاً بـ"عدم دستورية" إنشاء النقابة، وحتى لو أن اللجنة رأت أن الحكومة تماطل من خلال جلسات الحوار مع اللجنة المختصة، إلا أن قضية الإضراب وتعطيل العملية التعليمية لم يهضمها أحد.

قطاع المعلمين الذي يعد من أكبر القطاعات العمالية في الأردن (150 ألف معلم عامل ومتقاعد)، لم يهدأ نشطاء منه ومنذ نحو أربعين عاماً في إثارة الجدل حول تأسيس نقابة للمعلمين، حيث بحث دستوريتها المجلس العالي لتفسير الدستور مرتين، الأولى في العام 1993، والثانية التي عرض فيها الأمر على المجلس العالي في العام 1994 وبطلب من رئيس مجلس الأعيان الذي يتولى كذلك بحكم منصبه رئاسة المجلس العالي.

لتصدر اللجنة الوطنية لإحياء نقابة المعلمين أي بيانات تساعد في تحقيق أهدافها، ولتتهم الحكومة بـ"التسويف والمماطلة"، ولتدعُ إلى اعتصامات مفتوحة بعد انتهاء اليوم الدراسي أمام مجلس الأمة أو مجلس الوزراء، ولتعمل أي شكل من أشكال النضال السلمي لتحقيق أهدافها، ولتحشد كل وسائل المساندة من مختلف القطاعات السياسية والشعبية، لكن لا أن يكون كل هذا على حساب الطلبة وأعصاب أهاليهم.

osama.rantisi@alghad.jo