الإدارة البيروقراطية توفر يوميا 'ذخائر' مجانية تزيد شعبية المعارضة الاردنية
أخبار البلد : بسام البدارين / إلتقط وفد الشباب الذي حظي بمقابلة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأسبوع الماضي ما هو جوهري في الرسالة عندما سمعوا ومن صاحب القرار المرجعي حديثا مباشرا عن توجه وتوجيهات تقضي بأن لا تتدخل المؤسسة الأمنية في خيارات الشباب ومساحات العمل السياسي تحديدا في الجامعات إثر شكوى مرة ومتكررة في هذا الإتجاه.
وبعد أقل من ثلاثة أيام من هذه الصورة التي احتفل بها الشباب وأظهرت إنحياز مؤسسة القصر الملكي للعمل السياسي والإصلاحي إعتقلت السلطات الأمنية أحد رموز الحراك الشبابي فيما تكلفت الشرطة في اليوم التالي بتوقيف ثلاثة طلاب في المرحلة الثانوية بعد استخدام الغاز ضدهم.
قبل ذلك إستدعي المدون الإلكتروني المخضرم والنشط محمد عمر بعد نشره مقالا إعترض فيه على التدخلات الأمنية في وسائل الإعلام رغم ان مدير الأمن العام حسين المجالي تعهد للمدونين بعدم التدخل وحماية حقوقهم في التعبير.
تلك الحوادث على صغرها كانت رسالة لعدة جهات أولها وأبرزها جهات رسمية رفيعة المستوى وهي رسالة لا يمكن قراءتها إلا في سياق قناعة الأوساط السياسية بأن 'التعليمات والتوجيهات' وتحديدا العليا لا تصل لسبب أو لآخر عندما تكون ديمقراطية حصريا لمسؤولي التنفيذ في الميدان او ـ وهذا الإحتمال الأسوأ- تصل ويتقصد البعض في الإطار البيروقراطي لأجهزة الدولة مقاومتها .
ومثل هذه الرسائل وصلت عام 2007 عدة مرات لنشطاء سياسيين تمكنت الدولة من إستقطابهم تحت عنوان الإصلاح والتغيير فتم داخل المقرات الأمنية إبلاغهم عدة مرات بانه لا إصلاح ولا تغيير في البلاد .
رجل مخضرم إعتزل الأضواء منذ سنوات طويلة من طراز مروان دودين وزير الإعلام الأسبق تحدث وفي إجتماع مغلق عن تجربة مماثلة حصلت مع التيار الوطني وتنطوي على تفاصيل في غاية الإثارة فكرتها البسيطة الإتفاق مع بعض المسؤولين على شيء باسم الدولة ثم التصرف بعكسه تماما في الميدان وتحديدا الإنتخابي.
ومثل ذلك - يقول مراقبون- يحصل يوميا، فكل أدبيات رموز الدولة الأردنية تعهدت عشرات المرات بتجميد قرارات سحب الجنسية لكن الجنسيات لا زالت تسحب ولأسباب غير قانونية ومن قبل موظفين صغار وبشكل يومي رغم ان وزير الداخلية سعد هايل السرور تعهد علنا بالعكس وعبر 'القدس العربي' والصحافة المحلية فيما فهم رؤساء لجان البرلمان خلال إجتماع ملكي مغلق بان التوجيهات تقضي بتجميد السحب الذي لا يزال مستمرا.
وحتى في الإنتخابات العامة عامي 2007 و2010 أطلقت من كبار المسؤولين تعهدات أدبية وعلنية بالنزاهة فكان العمل في غرف الإقتراع والعمليات معاكسا تماما مما دفع برلمانيا محنكا ومخضرما من طراز الدكتور محمد أبو هديب لإطلاق صرخة على شكل سؤال: لماذا زوروا ضد أبناء الدولة والنظام والعشائر هذه المرة وليس ضد المعارضة فقط؟.
وثمة تعهدات أقل أهمية لا تنفذ إطلاقا وتعزز مخزون الذخائر التي تسحب يوميا من مصداقية الحكومة غالبا والنظام أحيانا فرغم سيل الوعود عبر الإعلام لم يكشف بعد النقاب عن نتائج التحقيق في أحداث ملعب القويسمة ولا عن نتائج التحقيق في أحداث المسجد الحسيني وكذلك واقعة تهديد عائلة الشيخ حمزة منصور وحوادث الإيذاء والإعتداء التي تعرض لها عشرات من أقطاب المعارضة بداية من الشيخ علي العتوم ونهاية بليث الشبيلات.
ومن الواضح للجميع في البلاد ان المماطلة في تحقيق خطوات إصلاح حقيقية منذ عشر سنوات إنتهت اليوم بجلوس البلاد على حافة مطالبات لم يكن طرحها مقبولا او معقولا في الماضي القريب ابتداء من مقولة 'إصلاح النظام' مرورا بمشروع الملكية الدستورية وانتهاء بانضمام شخصيات في الدولة ومحسوبة على حكومتها للسياق الذي لا يرفع الفيتو في وجه الدعوة لتعديلات على الدستور بعد أن كان مجرد الإقتراب من هذا الخط ممنوعا حتى على المعارضة الإيديولوجية.
والأوضح ان الأمثلة حول غياب مصداقية الخطاب الرسمي تتعدد وبصفة يومية في الشارع الأردني، الأمر الذي يدفع جمهور الحراك الشعبي للمطالبة بإسقاط حكومة معروف البخيت حتى قبل أداء الرجل لليمن الدستورية بعد إسقاط حكومة سمير الرفاعي وكذلك إسقاط لجنة الحوار الوطني حتى قبل إجتماعها الأول.
وهو نفسه الأمر الذي يوفر لتيارات المعارضة ذخائر يومية تتحالف مع رقعة الفساد في أوساط الموظفين وخصوصا الكبار في توفير مساحة خصبة ليس فقط للتشكيك بالدولة ومؤسساتها ورموزها ولكن أيضا تقديم خدمات مجانية تماما للمعارضة الحزبية بأطيافها عبر أداء بيروقراطي بائس يخذل نفسه والنظام والقصر قبل خذلانه للناس في الشارع .
وليس سرا ان هذا البؤس هو الذي حشر الدولة برمتها في الزاوية الضيقة ودفع مسؤولين حكوميين في المحافظات لادعاء عدم سماعهم لشتائم من الطراز الثقيل تكال ضدهم قبل ان يدفع رئيس الوزراء لضم كل من رفع الصوت عاليا ضد النظام وحطم الخطوط الحمراء إلى لجنة الحوار الوطني وقبل ان يدفع وزيرا بارزا في الحكومة لكي يخطب ود المعارضين الشرسين قائلا: انا أقف مع ليث الشبيلات وزكي بني إرشيد في الدعوة للإصلاح