حيث تبيض الأفاعي


ما يحدث اليوم رغم فظاعته وغرابته ووحشيته لم يولد الليلة او حتى البارحة، وله جذور تمتد بعيدا في باطن التاريخ وليس في جوف الأرض، لأنه نتاج ثقافة سوداء تنامت وتفاقمت بعيدا عن المرصد، لأنه مستغرق في شجون اخرى، وحين كان البعض يقرعون الاجراس مُنذرين من زمن يذبح فيه الانسان كالدجاجة كان الصّمم قد تحول الى وباء، وانصرف الطرشان الى تفاصيل صغرى يشتبكون حولها ويخوضون حروبا دونكيشوتية ليحققوا اشباعا وهميا وكاذبا لشهوة الانتصار . وقدر تعلق المسألة بالتطرف والغلوّ طفت على سطح تاريخنا فرق وفلسفات ذهبت في التطرف والغلو الى اقصى مدى، وانبرى لها فكريا من ذهبت صيحاتهم سدى وكأنهم يصرخون في البراري .
ما من ظاهرة لقيطة في التاريخ او نبت شيطاني بلا جذور، وما كان للعنف ان يتمدد وتنمو له أذرع اخطبوطية لولا ان هناك عوامل ارضعته في بواكيره ثم غذّته وضاعفت من نموه وتمدده . الاسباب والدوافع التقليدية التي حفظناها عن ظهر قلب كالفقر والبطالة لم تعد كافية لإقناع الناس، فهناك متطرفون يعانون من فائض الثروة لا من فائض الفقر، ومنهم من اتاحت له ظروفه ان يحيا حياة معتدلة ويحقق ذاته وسعادته دون ان يكون ذلك على حساب الآخرين .
لقد بدأ العالم مُتأخرا في البحث عن دوافع العنف الحقيقية خصوصا ما يتعلق منها بالتربية والتكوين النفسي، وحتى وقت قريب كانت الامثولة القصوى لتجسيد العنف هي السادية نسبة الى المركيز دو ساد الذي سجن اكثر من عشرين عاما في زنزانة ، وكان خياله الشرّير قد جعله لا يشعر بالسعادة الا اذا اصغى الى انين الاخرين سواء عذّبهم بنفسه او رأى سواه يعذّبهم امامه، لكن الشر تجاوز كل التوصيفات التقليدية وأصبح شرا خالصا كما يقول الفلاسفة، فالشر لا يصبح مطلقا وكاملا الا في أزمنة تستيقظ فيها الذاكرة الذئبية داخل الانسان فلا يفكر بغير انيابه الزرقاء وبغير الدم الذي ينزف من ضحيته، ويسيل لعابه على رائحته .
ان المقاربات الاعلامية وهي السائدة الان لن تفلح في كشف المستور ولن تعالج ظواهر ذات مردود كارثي، لأنها بلا استراتيجية ومحكومة بما هو موسمي وقابل للنسيان المطلوب الان من العالم كله ومنه نحن العرب تقصي جذور الشرّ فالافعى قد تُقتل لكن بيضها سوف يفقس من بعدها .
ان الحياة عندما تصبح رهينة لمن يتصورون انهم وكلاء الموت وسدنة الرماد لا تستحق ان تُعاش، فهل نسعى جميعا لاستحقاقها ؟