إصلاح الهوامش وإصلاح الجوهر
من الضرورة بمكان التدرج في الإصلاح، وصولا إلى ما دعا إليه جلالة الملك من توسيع لقاعدة صنع القرار، وتطوير نظام من الفصل والتوازن بين السلطات، منعا للهزات التي أصابت العديدين من حولنا. ومن الضروري أيضاً، مع كثرة الحديث عن الإصلاح من قبل العديد من المسؤولين من دون ترجمته على أرض الواقع في أغلب الأحيان، اشتراط مبدأ الإصلاح الهادف إضافة إلى المتدرج. فالمطلوب إصلاح الجوهر وليس الهوامش.
لننظر إلى المسار السياسي الذي من المفترض أن يؤدي إلى إعادة توزيع النفوذ بين السلطات الثلاث، بحيث لا تتغول إحداها على أخرى، ولا تهيمن أي سلطة على عملية صنع القرار. ومفتاح الحل، إنما ليس الحل نفسه، هو قانون انتخاب جديد، يضعنا على السكة للوصول إلى هذا الهدف بالتدرج. لكن ما تم حتى الآن هو إيجاد هيئة مستقلة للانتخاب، من دون المس الجاد بالهيكلية البنيوية للبرلمان، بما يضمن عدالة التمثيل والعمل الجماعي اللذين يقودان إلى تقوية السلطة التشريعية. بعبارة أخرى، كان لدينا برلمان ضعيف هيكليا، تتدخل السلطة التنفيذية في نتائجه؛ فأصبح لدينا برلمان ضعيف هيكليا، مع ضمان نزاهة الانتخابات.
كما تكلمنا عن حرية الصحافة، وألغينا وزارة الإعلام حتى لا تتدخل في الصحافة والإعلام عموماً. ولكننا لم نلغ تدخل "وزارات الإعلام" في جهات أخرى من السلطة التنفيذية، فكانت النتيجة واحدة. وبعد عقود من الحديث عن حرية الصحافة، ما تزال هذه الأخيرة في الأردن تصنف على أنها "ليست حرة"، وما تزال نظرة مسؤولنا تجاه الصحافة استعلائية في أغلب الأحيان.
أيضاً، اختزلنا موضوع تمكين المرأة في زيادة أعدادها في الحكومة ومجلس النواب، بينما يتمثل الإصلاح الحقيقي في إزالة أشكال التمييز كافة ضد المرأة في التشريعات الأردنية؛ فأين نحن من ذلك؟
أما في المسار الاقتصادي، فالمفترض أن هدف الإصلاح هنا هو إزالة التشوهات الهيكلية في الاقتصاد؛ كالبطالة وعجز الموازنة وحجم الدين العام، وبناء اقتصاد ذاتي النمو مستدام. والسبب الرئيس لهذه التشوهات هو نظام ريعي يقتل الإبداع، وينمّي ولاء زائفا، ويرحّل المشكلة للأجيال المقبلة. فماذا فعلنا تجاه ذلك؟ بعد إجراءات ضرورية، مثل الخصخصة وتحرير التجارة والاندماج في الاقتصادات العالمية، لم ننجح في تخفيض البطالة أو حجم الدين أو عجز الموازنة. أما الذي ارتفع، فهو ترتيبنا على مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية. وذلك لأننا لم نولِ موضوع ضرورة ترافق تطوير نظام من الفصل والتوازن بين السلطات بالتوازي مع عملية الإصلاح الاقتصادي. هل حقاً توجد حتى شبه إرادة للتخلص من النظام الريعي الذي سيدفع ثمنه أبناؤنا وبناتنا؟
أما على صعيد المسار المجتمعي، فما نزال غير قادرين على تحديد من هو الأردني بعد أكثر من ستة عقود على وحدة الضفتين. وبعد كل ما حصل لدول الجوار التي غلّبت هوياتها الفرعية على تلك الوطنية، من حروب ودمار، ما نزال نصر على تصنيف أنفسنا بناء على هوياتنا الإثنية والعرقية والدينية، بدلا من إعلاء هويتنا الأردنية الجامعة.
هذا ليس جلدا للذات؛ إنه محاولة لمواجهة صريحة للتحديات التي تواجهنا، من دون خداع أنفسنا بأننا نقوم بعملية إصلاحية تؤدي بنا إلى شاطئ الأمان، فنكتشف لاحقا -لا سمح الله- أن تجميل المظهر الخارجي أدى إلى تآكل الجوهر من دون أن ندري.