فكرة خطرة ومرعبة
نسبت تقارير إعلامية لمسؤولين قولهم إن جهات رسمية في الدولة تبحث فكرة تسليح أبناء المناطق الحدودية المحاذية للعراق وسورية، للتصدي للجماعات الإرهابية في حال تقدمت نحو الأراضي الأردنية.
الفكرة خطرة ومرعبة، لأسباب عديدة. فهي تتناقض مع التصريحات الرسمية التي تؤكد على الدوام بأن قوات حرس الحدود قادرة على حماية حدود المملكة بكل كفاءة. وبهذا المعنى، فإن مجرد طرح الفكرة للبحث والدراسة يعد تشكيكا غير مقبول إطلاقا بقدرة وكفاءة القوات المسلحة الأردنية، وأجهزة الدولة الأمنية والاستخبارية.
استخدام السلاح؛ سواء لفرض سيادة القانون داخل حدود الدولة أو مواجهة الأخطار الخارجية، هو حق حصري للدولة بموجب الدستور، ولا يجوز التنازل عن هذا الحق أو تفويضه لأي جهة كانت. والدولة الأردنية مستقرة وقادرة، ولم يصل مستوى التهديد الذي تواجهه إلى حد التفكير بتسليح الشعب للدفاع عن بلاده، كما حصل في تجارب المقاومة الشعبية لدول عانت الاحتلال الأجنبي والغزو الخارجي.
إن مجرد التفكير في تسليح فئات من الشعب دون غيرها، يعني صراحة منح هذه الفئات سلطات وصلاحيات على سواهم من أبناء الشعب غير المسلحين. كما أن الدولة، ومهما امتلكت من قدرات تنظيمية، فإنها لن تكون قادرة على التحكم بطرق استخدام عشرات الآلاف من قطع السلاح المنتشرة في أيدي المواطنين، ولن تستطيع قوة أن تضمن عدم استخدامها في أعمال غير شرعية.
ووجود السلاح بيد جماعات اجتماعية دون غيرها، يشجع نزعة التمرد على سلطة الدولة، ويغري بتأسيس سلطة موازية ومنافسة لسلطة الدولة المركزية.
من بين أهم المشاكل التي يعاني منها الأردن حاليا، انتشار السلاح بشكل عشوائي بين المواطنين. وقدرت دراسة رسمية، قبل سنوات، وجود ما يزيد على مليون قطعة سلاح غير مرخصة في الأردن. وقد ارتبطت هذه الظاهرة المقلقة بمسلكيات خطرة في الشارع، تمثلت في زيادة معدلات الجريمة وتجارة المخدرات، إضافة إلى تنامي خطر الجماعات الإرهابية، التي تثبت التجارب الحية من حولنا نشوء تحالفات وثيقة بين تجار السلاح والمخدرات وهذه الجماعات.
لقد نجح الأردن في السنوات الأخيرة في إعادة هيكلة قواته المسلحة، وتطوير مهماتها القتالية، استجابة للتغيرات التي تشهدها البيئة الإقليمية، ونوعية المخاطر والتهديدات التي تواجه الأمن الوطني الأردني. وبفضل عمليات التطوير هذه، أصبحت تشكيلات القوات المسلحة أكثر مرونة وقدرة على إدارة عملياتها، والاستجابة السريعة لمصادر التهديد غير المسبوقة، والمتمثلة في الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
وبالتجربة الملموسة، أثبتت القوات المسلحة قدرتها الفائقة على ضبط الحدود مع سورية والعراق، منذ تدهور الأوضاع في البلدين الجارين. فقد أحبطت قوات حرس الحدود عشرات عمليات التسلل والتهريب، وتحكمت بحركة اللجوء السوري الكبيرة، من دون أن تسجل ولو حادثة واحدة تدلل على عجزها أو تقاعسها عن القيام بواجباتها بشكل كامل.
إزاء هذا الوضع، فما هو المبرر للتفكير في خيارات بديلة وخطرة، كتسليح أبناء العشائر في المناطق الحدودية؟ ربما تكون هناك حاجة في المستقبل للتوسع في تجنيد المزيد من الأفراد في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لدعم التشكيلات الحالية التي تواجه ضغوطا متزايدة، وتحتاج إلى تعزيز مواردها البشرية. هذا أفضل خيار يمكن اللجوء إليه، لأنه في نهاية المطاف يعزز قدرة القوات المسلحة وسلطة الدولة في مواجهة المخاطر الخارجية والداخلية، بينما فكرة التسليح المطروحة لفئات اجتماعية، ترفع منسوب القلق، وتترك الانطباع بأن الدولة باتت عاجزة عن حماية شعبها.