الأمن من الإرهاب وأمن المعلومات

يعزو الكثيرون مقولة أن الارهاب بمفهومه الحالي بدأ من الثورة الفرنسية على يد اليعاقبة وغيرهم وأنه قد بات من اهم اسبابة صراع الحضارات والعولمة واختلاف الاديان والصراع الفلسطيني الاسرائيلي والغزو الروسي لافغانستان. وأما على الصعيد الشخصي فهو الاحباط والحرمان وانحدار السلوكيات والمعنويات. وفي رأي العديد من الباحثين فان انواع الارهاب تتجلى في خمسة اولها ارهاب الدول بعضها لبعض ثم الانشقاقات بين المجموعات التي ثارت على حكوماتها وثالثها الخلافات الايديولوجية بين اليمين واليسار ورابعها اولئك الذين يمارسون الارهاب ويبشرون به باسم الدين واخيراً منظمات الجريمة المنظمة. ومع كل الجهود المبذولة لمحاربته، وهي ما تزال غير كافية، فما زال الارهاب حياً ومتمدداً يتفاعل وينمو بازدياد مضطرد.

والحقيقة أن الارهاب ليس جديدا على العالم فقد بدأ مع فجر التاريخ الانساني وهناك شواهد عديدة على ذلك ، ويمكن وصفه بأشكال عديدة بحيث يشمل التاكتيك والاستراتيجية.. جريمة وادعاءات مزيفة عن فريضة ربانية واجبة وعمل مشروع ضد الظلم والفساد. ويستمر الارهاب في تهديد السلم العالمي وتكبيد الانسانية تكاليف باهظة للغاية علاوة على نتائجه المدمرة. وتسعى الاعمال الارهابية ، كما ثبت، الى زعزعة الدول وضرب الاقتصادات والتنمية والسلم الاجتماعي.
وقد اوجد الباحثون تعاريف كثيرة للارهاب الا انة يمكن القول بأن الارهاب هو استخدام غير مشروع للعنف أو تهديد باستخدامه ببواعث غير مشروعة ويهدف أساسا إلى بث الرعب بين الناس وتعريض حياة الابرياء للخطر سواء أقامت به دولة أم مجموعة ام فرد وذلك لتحقيق مصالح غير مشروعة ، وهو بذلك انتهاك للقواعد الاساسية للسلوك الانساني وتناف تام مع الشرائع السماوية والشرعية الدولية لما فيه من تجاوز على حقوق الانسان.
وربما كان من الامور التي تشجع الارهابيين على العمل ويتذرعون بها غياب مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أو قلة فعاليتها ومعها غياب آليات فعالة لحل النزع Conflict Resolution وكبت الناس ومنعهم من ايصال رأيهم والاحباط الذي يعتريهم نتيجة دوام الاستبداد والفقر والبطالة مما يدفع بعض الجماعات الى العنف ويجعل من تلك الامور حاضنة للارهاب يتمسك بها الارهابيون ويعزفون على لحنها بدعوى رد الفعل على الشعور بالظلم والاذلال.
وقد كان من ظواهر العنف في الدول العربية والاسلامية قيام المدرسة السلفية المعاصرة التي استمدت شعاراتها ومقولات من تفسيرات واستعمالات مغلوطة وتوظيف المقدس وتأويلاته واقتناص أقوال أئمة وعلماء دين وفقهاء افاضل من سياقاتها فعمدوا الى استفتاء الاموات في شؤون الاحياء، أمور فندها علماء دين أجلاء معاصرون. ولجأ أولئك الى تكفير الآخرين مما يبيح برأيهم سفك الدماء واجبار الناس على تغيير معتقداتهم الامر الذي يعد نموذجاً يقدمونه للابتذال الفكري. ولا بد هنا من القول بان جميع الطوائف الاسلامية لا تختلف على اصول الدين وجوهر العقيدة فلا بد اذاً من مساعدة من غرر بهم من اتباع تلك المدرسة من خلال التأويل الارهابي للدين على القيام بمراجعات فكرية وثقافية بجرأة وموضوعية وتشجيعهم على ذلك مع التركيز على الجوامع بين مختلف المدارس الاسلامية وتعظيمها وصرف الطاقات الشبابية المغرر بها الى مزيد من العمل الوطني والاجتماعي الهادف مع تعديل بعض المناهج الدراسية للحض على التسامح ونبذ العنف والارهاب بنوعيه المادي والفكري.
ومحاولة علاج هذا البلاء وحصاد الشوك ذاك مسألة غاية في الصعوبة والتعقيد حيث أن دوافعه وتمويله وأساليب عمله واختيار أهدافه أمور تتغير باستمرار. ويتمدد الارهاب ويتخطى حدود الدول (عابر للدول) وهنا يبرز دور واهمية التعاون الدولي كعامل مشترك فعال لمواجهة هذا المرض الوبيل ويكون ذلك من خلال تبادل الخبرات والتحقيقات والمعلومات وتنسيق اساليب المواجهة. وقد أصبحت مقاومة الارهاب في طليعة اهتمامات الدول حيث ان الارهاب لا يقتصر على غلاة السلفيين وحدهم بل انه موجود الآن في كل دول العالم وله جنسيات متعددة، فمحاربة الارهاب ليست بالعمل السهل بل الصعب لا سيما مع وجود الخلايا النائمة التي حتى وان لم تقم هي بأى عمليات ارهابية فانها توفر للارهابيين الخدمات اللوجستية والملجأ والمأكل والمعلومات ، فبدون هذه المساعدة لن يتمكن الارهابيون من العمل. فاذا لم يجر تعرية وتفكيك كوادر الارهاب فلا اقل من العمل بكل جدية على ايقاف ومنع التحاق المزيد من المتطوعين بها.
وأما على الصعيد الدولي فقد سبق وبادرت الأمم المتحدة الى العمل في مجال مكافحة الارهاب ممثلة بأمينها العام آنذاك «كوفي عنان» حيث اقترح في اجتماع قمة دولي دعا اليه وعقد في مدريد خريف عام 2005 مستنداً الى خطة عمل قدمتها الامم المتحدة عنوانها «خطة عمل الامم المتحدة لمجابهة الارهاب (United Nations Action Plan to Counter Terrorism) وقدم رؤياه حول مقاومة الارهاب وطرح فيها خمسة محاور تتلخص في اقناع الجماعات السياسية المعارضة فى الدول بعدم اللجوء الى الارهاب، حرمان وافقاد الارهاب لعناصر القوة، منع الدول من دعم النشاطات الارهابية، تطوير امكانيات الدول لمنع الارهاب، والدفاع عن حقوق الانسان ضمن محتوى مكافحة الارهاب. وقد اتفقت جميع الدول في ذلك الاجتماع وللمرة الاولى وبشكل واضح ودون تحفظ على ادانة الارهاب بجميع اشكاله ومظاهره التي ترتكب من اي كان ولاي سبب وفي اي وقت. وكان وزراء الداخلية العرب وبمبادرة من الجامعة العربية قد وضعوا في عام 1998 ميثاقاً لمقاومة الارهاب.
وعطفاً على قمة سبتمبر 2005 المذكورة قام الامين العام بتنقيح وتحديث فرضيات خطته واصدر تقريره المعنون «متوحدون ضد الارهاب: توصيات لاستراتيجية عالمية لمقاومة الارهاب» قدمت الى اجتماع الهيئة العامة ، وقد تم بالفعل تبني ما ورد في التقرير من قبل الامم المتحدة. اما الخطوات العملية لتنفيذ تلك الاستراتيجية فقد شملت مصفوفة واسعة الابعاد وتتراوح ما بين تقوية قدرات الدولة لمجابهة التهديدات الارهابية وتنسيق افضل لانشطة مكافحة الارهاب وتكون من خلال حرمان العناصر الارهابية من الوسائل التي تتيح لها القيام بالهجمات على اهدافها ومنها التعاون الدولي الكامل فى الحرب عليه والقبض على المرتكبين واقتلاع تنظيماتهم وتبادل المعلومات الفورية ودون تاخير حول اجدى اساليب منعه ومقاومته والبحث في انشاء مركز عالمي لمقاومة الارهاب وتشديد الرقابة على موضوع تبييض الاموال والتاكد من عدم وصول التكنولوجيا الحيوية Biotechnology واسلحة الحرب الكيميائية Chemical Warfare الى ايدي المجموعات الارهابية وحماية حقوق الانسان عند محاربة الارهاب وحماية ضحاياه وتطبيق احكام القوانين بعدالة وحماية واحترام حقوق الانسان ، وكل هذا جميل اذا جرى تفعيله ونحن نعتقد ان ذلك يحتاج الى خطوات اكثر جدية واستمرارية.
ويحق للمرء ان ينظر باسف واسى الى تلك الطاقات الشبابية المهدورة التي انضمت الى كوادر الارهابيين وجرى تصريفها واستعمالها فيما يضر ويدمر ، فلو جرى تصريف تلك الطاقات المختزنة فيما يفيد بلاد اولئك الشباب ويساعد في تطويرها ونموها لكانت الفائدة مزدوجة، ابعادهم عن مجالات العنف والشر من جهة، والاستفادة من امكانياتهم من جهة اخرى. لهذا يجب ايلاء الشبيبة اقصى درجات الاهتمام والرعاية الممكنة وقد تكون مع الاسهام في بناء عقل ووجدان الناشئة بناء صحياً وذلك بتثقيفهم وشرح معالم واصول الدين لهم بالشكل الصحيح وتبيان ما تمثله من عدالة وقيم انسانية رفيعة ومقاصد سامية مع تفعيل مراكز الشباب في شتى انحاء البلاد ويكون هذا باستثمار العطل المدرسية لاستدعاء طلبة المدارس والجامعات واشراكهم في حوارات وتثقيف وخدمات مجتمع بما يتماشى مع متطلبات دمجهم في المجتمع ورفع معنوياتهم.
ولا ينتهى موضوع الحديث عن الارهاب، وهو طويل، قبل التطرق الى الارهاب الالكتروني وموضوع امن المعلومات Information Security الذي يعد من اكبر الهموم التي تواجه الادارات نظراً للتزايد المضطرد المتسارع في عدد المؤسسات ومنظمات الاعمال التي تعتمد اعتماداً كاملاً على تكنولوجيا المعلومات كي تستمر في النمو والتقدم.
وقد باتت منظمات الاعمال في هذا العصر الرقمي تعتمد اكثر فاكثر على انظمة معلوماتها وازدادت تهديدات امن المعلومات من قبل المجرمين والارهابيين وهذه التهديدات في تسارع متواصل. ومن ناحية مجتمع الاعمال فان سهولة وصول منظمة الاعمال الى المعلومات يعطيها ميزة تنافسية. وقد نقل عن الرئيس الامريكي الاسبق «رونالد ريغان» قوله في عام 1989 بان «المعلومات هي اكسجين العصر الحديث» ولهذا فان اي ثغرة فى حاجز الامن المعلوماتي من شأنها اتاحة الفرصة للقراصنة والارهابيين لسرقة المعلومات والاطلاع عليها حيث ان الكمبيوترات المعطوبة بالفيروسات والمرتبطة بشبكات اعمالها تدمر المعلومات المتواجدة فيها او ما يسمى» بالانتحار الذاتي».
وتحتفظ منظمات الاعمال والمؤسسات عادة بمعلومات حساسة فمنها مثلا معلومات عن موظفيها ومعلومات عن الرواتب والنتائج المالية وخطط العمل للسنة او السنين القادمة ، وقد تحتوي على اسرار العمل والمتعاملين معها وابحاث ومعلومات اخرى تعطيها ميزة تنافسية. وفي العادة تجري مشاركة المعلومات عبر شبكة الشركة بحيث يخزن المزيد من المعلومات باستمرار وتعالج الكترونيا ثم تبث عبرها الى الوجهات المقصودة، وتبعاً لذلك فان مخاطر الوصول والاتاحة غير المسموح بها تزداد وتزداد معها التحديات حول كيفية حمايتها بالشكل الافضل. وخطورة وقوع المعلومات في ايدي القراصنة والمقتحمين قد تودي بالارواح وتدمر الاعمال وقد تستعمل لارتكاب الجرائم والاعمال الارهابية ، الامر الذي يمكن لعلاجه ان يستغرق سنوات ويكبد المؤسسة تكاليف باهظة لازالة آثارة. وقد احتسب في امريكا ما تتكلفة الشركة نتيجة اقتحام المعلومات عام 2008 ما يعادل 202 دولار للسجل الواحد ، فاذا جرى اقتحام عشرة آلاف سجل Record مثلاً فان التكلفة ستكون عشرين مليون دولار سينتج معظمها عن خسارة في صفقات تجارية. وقد احتسبت نفس الخسارة في احدى الشركات الامريكية الكبرى لاحدى الفترات فوصلت الى بليون دولار وامثال تلك التكاليف في تصاعد مستمر.
وقد بدأت في العقود الاخيرة حرب عالمية من نوع جديد تمثلت فيما يسمى بالحرب الالكترونية او حرب الكمبيوتر Computer Warfare وتتضمن امكانية وقوع هجوم وغزو الكتروني عن طريق نشر فيروسات هدامة وتدمير ملفات و تشويش وتعطيل الحواسيب مما يقتضي تعزيز ادوار الحكومات في حماية نظم الكمبيوتر لان هذه الحماية باتت مسألة مؤرقة على مستوى وطني وفي غاية الاهمية وتستدعي تدعيم النظم الدفاعية الالكتروني Electronic Defense والذي يشتمل على اجراءات تؤخذ لحماية الاشخاص والامكانيات والمهمات من اي تاثيرات ناتجة عن استعمال جهة معادية للطيف الكهرومغناطيسي الذي يؤدي الى انزال فعالية او تحييد او حتى تدمير القدرات الالكترونية لمن يقع عليه الاعتداء.