منخفضات ثلجية منحرفة!
كنا لانعرف إلا الارصاد الجوية، وغالبا ماكانت قراءتها دقيقة، وتخيب في مرات، لان الطقس يتغير فجأة، والمنخفضات الجوية لاتخلو من مفاجآت.
مع الارصاد الجوية، أطل علينا فتى ألمعي، يدعى محمد الشاكر، وحظي بدعم معنوي، فوق الحملات التي نالت منه، غيرة وحسدا، وتصيدا ايضا لاخطاء نشراته، وهو في هذه الاخطاء التي تحدث مرات، لايختلف عن الارصاد.
كلاهما يقرأ الخرائط، التي بين يديه، وكلاهما بانتظار تحقيق التنبؤات، بدلا من انحراف المنخفضات الجوية، عن خطها المتوقع، وفقا لهذه «التهمة الاخلاقية» بحق المنخفضات!.
لاتنحرف المنخفضات الجوية الا عندنا باعتبار ان الكل يحب ان ينحرف في مرحلة ما، وتبرير الانحراف المفاجئ، بات مخرجا لكثيرين، للاختباء خلفه، والقول إن المنخفض كان قادما، لولا ان عصفت به «زلة سلوكية» جعلته ينحرف فجأة ويذهب الى موقع آخر، على حل شعره كما يقول المثل العامي.
في نيويورك، ذات مرة، قال المتنبئ الجوي، ان الثلج سيبدأ بالتساقط، في التاسعة صباحا، وسيتوقف الرابعة عصرا، ودقة القراءة، كانت مذهلة، ويومها بدأ فعلا في التاسعة، وتوقف عند الرابعة تقريبا، ولم نسمع احدا يتحدث عن المنخفضات المنحرفة!.
الكارثة في قراءة النشرات الجوية، تقترب من حدود مس الامن السياسي، لان الاعلام اتاح ان يقفز في وجوهنا، كل يوم، متنبئ جديد، غير الارصاد وندهم الفذ محمد الشاكر.
كل يومين يخرج علينا متنبئ جديد، ولاتعرف من اين تنزلت عليهم هذه العبقرية المفاجئة.وحي ام خرق للحجاب.لاتعرف.وبعضهم يعرف نفسه بكونه هاويا، والآخر محترفا، وكل من معه الف دولار يفتتح موقعا للنشرات الجوية، والكل بات خبيرا، فالغيرة لدينا، دون اسس، والكل باتوا خبراء عز نظيرهم.
هي ذات الغيرة والتحاسد، اذ نراهما في قطاعات اخرى، فالذي يفتتح دكانة ويرزق الله صاحبها، يقدحه كل اهل الحي، فتصبر عاما، واذ بنصف اهل الحي افتتحوا دكاكين ايضا، فترقب حالهم، فلا احد يبيع ولا احد يشتري.
الذي يفتتح محلا للموبايلات ويرزقه الله، تقدحه العيون الزرقاء ايضا، باعتباره مرزوقا، فنصبر عليه ايضا، عاما او اكثر، واذ تمت احاطته بعشرين محلا لبيع الموبايلات، فيشكو الجميع الطفر، ولااحد يعترف لك بسوء النوايا، والحسد الذي قتل صاحبه.
هي ذات القصة التي نراها في موديلات السيارات،اذ نغار من بعضنا ونقلد بعضنا، ونلحظ دوما، الغيرة في الشارع، اذ تأتينا موجة المرسيدس، فينهمر الناس على شرائها فجأة، مقلدين بعضهم البعض، ثم تنقلب الموجة الى البي ام دبليو، ثم الى السيارات المرتفعة، وهكذا فأن وباء التحاسد والغيرة يقتل كل ابداع.
في قصة النشرات الجوية، كانت لدينا الارصاد، والشاكر ايضا، جاء متأخرا وحفر مكانه بصعوبة، ويتأرجح احيانا، مع كل نشرة ، والارجح ان خصومه، يبحثون له عن خطأ لاثبات عدم صدقيته، وكل هذا مفهوم.
غير ان العنصر غير المفهوم، هو تناسل الخبراء الجويين بيننا، مثل الفطر، كل يوم اسم، وكل يوم موقع، وكل يوم نشرة، وهذا العبث، يؤدي الى نشرات متناقضة، تهز الاستقرار احيانا، حين يبدأ العباقرة بالكلام عن حرارة مادون الخمسة عشرة تحت الصفر، وعن ثلوج تصل الى مائتي متر قرب سطح البحر، وهذا الهلع لايحاسب عليه احد، برغم ان كلفته اخطر من كلف مس الامن السياسي في اي بلد.
الانسان العربي يميل الى التقليد، والى الحسد، والى المنافسة في شؤون يفهم بها ولايفهم بها، ولو احترم كل انسان خبرته وقدرته، وبحث عما يمكن ان يبدع به، لنجحنا حقا، لكننا ينطبق علينا المثل الشهير.....»سبع صنايع والبخت ضايع».
قذف المنخفضات ووصفها بالمنحرفة، يقترب من حدود قصة قذف المحصنات، وعلينا هنا ان نعترف بأخطائنا، وبسوء قراءتنا للخرائط الجوية.