لا حرب برية أردنية ضد داعش

أخبار البلد -  حلمي الاسمر

منذ أن اثير موضوع دخول الأردن لحرب برية ضد داعش، كفئة باغية، كنت أكثر المشككين بهذا الأمر، لأن مثل هذا القرار له تبعات جسيمة، والأردن أعقل من أن يزج نفسه بها، وقد تأكد لي، بالمعلومات اليقينية، أن الأردن لن يجازف أبدا بالدخول في مثل هذه المغامرة، ولن ينجر إلى شن حرب ليست حربه فقط، بل هي حرب عالمية ثالثة، إن جاز التعبير، أريد بها أن تكون استكمالا لتفكيك جيوش عربية قوية، وإشغالها بحروب أشبه ما تكون بالمحرقة منها إلى الحروب القابلة للحسم، وللأسف الشديد فقد جرى –فيما جرى- استهداف الجيش العراقي، وتفكيكه، ومشاغلة وتفتيت الجيش السوري، ناهيك عن جيوش أخرى صغيرة، في اليمن وليبيا، أهدرت طاقاتها، ولم يعد يعتد بها، وها هو الجيش المصري في طريقه للإنشغال بحرب أهلية صغيرة، قد تمتد من سيناء إلى مناطق أخرى لا سمح الله، وكما تمنى كثير من المخلصين الغيورين على مصلحة هذا البلد، فثمة قرار واضح لا لبس فيه في إبقاء قواتنا الأردنية المسلحة، الجيش العربي، في منأى عن هذه الحرب اللعينة، وهذه بشرى نزفها لهؤلاء الذين ذاقوا حسرة رؤية جيوش عربية قوية وهي تتفكك ويذهب ريحها، وبما يخدم مصلحة عدونا الأبدي: إسرائيل!
طبعا هذا لا يعني تهاون الجيش العربي في حماية حدود المملكة من أي اعتداء او اختراق هنا أو هناك، فقد يقتضي الأمر القيام بضربات استباقية خاطفة، تحبط أي مخططات للتعدي على هذا الوطن، ويتسق هذا الأمر مع مهمة الجيش العربي الأساسية في تكريس جهده كله للذود عن حياض الأردنيين، وقطع يد كل من يمتد بشرّ إلى حدوده، المحروسة بعيون مقاتلينا الأشاوس..

 


إن هذه اليقظة التي امتاز بها الأردن بكل مؤسساته الأمنية والعسكرية، يجب أن تترافق مع جهد مواز في غير حقل، لمحاصرة ظاهرة التكفير والبغي، التي تستهدف تشويه الإسلام، والتغرير بشبابه، للالتحاق بتنظيمات البغي والعدوان، التي عاثت في الأرض فسادا وعدوانا، استنادا لرؤى غاية في التشدد والتطرف، استلت من سياق الفقه الإسلامي كل ما هو غريب ومستهجن، من فتاوى، حتى أنها وفرت لمنتسبي داعش وغيرها، وهْما مفاده أنهم يحسنون عملا ويتقربون إلى الله بقتل الناس ذبحا وحرقا، بزعم أن عصابتهم هي الفرقة الناجية الصحيحة، وما سواها كفار ومرتدون، وفسقة، يستحلون دماءهم وأعراضهم وأموالهم..
لقد وفر لنا فقهاء الأمة وعلماؤها المعتبرون، فقها كاملا يرشدنا إلى كيفية مواجهة هؤلاء، بوصفهم بغاة بغوا في الأرض، يقول رب العزة في هذا السياق: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) [الحجرات:9] وقد أفاض علماء الإسلام كثيرا في تفسير هذه الآية، وكيفية مواجهة الفئة الباغية، حتى تفيء إلى أمر الله.
ولعل من مقتضيات المواجهة الراشدة لهذه الفئة الباغية، نزع الشرعية عن عملها، عبر الاستعانة بعلم وفقه علماء شرع معتبرين لهم مصداقية في الشارع الإسلامي، ولهم كلمة مسموعة، كي ينفضّ المُغرّر بهم عنها، فيكفوا عن تغذيتها بالمال والرجال، لأن هذه حرب عقول، اكثر منها حرب أسلحة، وهي ليست ظاهرة أردنية كي يقال إن واجب الأردن التصدي وحده لمحاصرتها وقتالها، بل يجب أن يكون هناك جهد عربي وإسلامي واسع ينخرط فيه الجميع، ويتعهدونه بالمال والرجال، لإنقاذ الأمة من خطرها الداهم، ويتعين ألاّ يتخلف أو يُستبعد أحد من الجماعات والأحزاب والمنظمات الشعبية عن جهد كهذا، فهو مسؤولية جماعية، رسمية وشعبية، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ!
وأخيرا، من مقتضيات مواجهة هؤلاء البغاة، لضمان النجاح، رد المظالم إلى أهلها، وإشاعة العدل بين الناس ولو بالحد الأدنى، وإصلاح المفاسد، كي يكون لأي مواجهة للبغي، أقصى درجات الإعداد المفضية للنجاح!