إضاءة على قصص قصيرة جداً "ظلال العزلة" للقاصة العُمانية أ. عزيزة الطائي







إضاءة على قصص قصيرة جداً "ظلال العزلة" للقاصة العُمانية أ. عزيزة الطائي  

بقلم : صابرين فرعون


لفن القصة القصيرة جداً عدة أركان وملامح تميزها عن أجناس أدبية أخرى. 

في مجموعة أ. عزيزة الطائي "ظلال العزلة" مهما حاولنا حصر هذه الملامح , فإننا نظلم هذا العمل الأدبي بجمالياته , فهو يحمل القارئ على تخيل بورتريه , لكل لوحة حكاية من واقع الحياة الاجتماعية عميقة المعنى والرسالة وذات عنوان بسيط جذاب يُعد عتبة للقصة . تُدهش أ. الطائي القراء بحيث نتأمل مجموعة اللوحات التي بلغت مئة واثنتين وسبعين قصة قصيرة جداً : لها بداية تأملية تُوضح العوالم السردية للمجموعة القصصية "مدخل الظل" , ولها خاتمة تصنف ضمن قفلة "تلقي,شاعرية,مضمنة,وكلاسيكية مفتوحة" أيضاً هي "نهاية الظل" التي تُعلن عن انتهاء الرحلة بين اللوحات الحية وتدارك دور القارئ في وضع بصمته فعلياً في عوالم الواقع, رُويت اللوحات بماء القلب ومشاعر عميقة تعبر فيها عن الأنثى تحديداً وتجعلنا نتبادل الأدوار وشخصيات هذه القصص وتشير من خلال الإهداء أن هذه التشظيات للذاكرة هي بلا بداية أو نهاية ذات تركيب دائري.

وظفت الحكائية بعبارات تختزل السرد في مشاهد وصفية مكثفة ذات شاعرية , فحافظت على المساحة النصية للقصة القصيرة جداً في مجموعة من الجمل القصيرة , وكأنها تقول تأملوا الرمز والإيهام والتلميح , تأملوا اللون والرائحة , تأملوا الاستمرارية في تناسل الحياة ومواقف ورؤى كل فرد باعتباره جزء من الحكاية وغذوا أرواحكم بثقافة التحرر من قيد الواقع الملموس لفهم الآخر كما أرواحكم وبذلك سلكت منهج المذهب الرومانسي الرمزي.

حافظت على عنصر التشويق والدهشة وترابط العنوان بالنهاية التي تملك أكثر من فكرة تتلاقى بها رؤى القراء , فمثلاً في نصوص مثل "أرق","حلم","صمت","ألم","شفاء" تركتنا نتأمل الخاتمة بصدمة وتأويلها من خلال عدة مواقف حياتية .

في بعض القصص اعتمدت أسلوب المزاوجة الثنائية بين عالم الواقع والخيال كما في نصيّ "حقيقة","زهرة".

ركزت القاصة أ. الطائي على الحفاظ على الطابع الديداكتيكي في القصة الواحدة بحيث لا يحتل الغموض أي جزء من النص , فلا تربك الرحلة التأملية للقارئ, وكذلك امتازت المجموعة القصصية في شكلها العام بالطابع المقطعي بحيث أن كل قصة هي جزء من النص الرئيسي , فهذه اللوحات لها لوحة أُم تجمعها في نسيج البنية الرئيسية "الإنسانية" ,كذلك العنوان المقطع مثل نص "م...باع" للتعبير عن الحالة الانفعالية , ليتكامل النسقين : العضوي والموضوعي محدثة تناغماً داخلياً .

وظفت علامات الترقيم والدوال الرمزية لتفكيك وبناء النص الواحد لصنع التوازن العاطفي للشخوص , والبعد الانفعالي للقاصة والقراء كجزء من القصة والمفارقة الذهنية بين عالمين. تركت بعض الأحداث "الملغزة" للقارئ بحيث يؤول ويتخيل المشهد ويكرره من شوائب الألم والحزن مثلاً لرسم طريق وسلوك آخر للموضوع.

استخدمت القاصة الطائي المرآة في أكثر من نص في محاورة الذات وظلها "انعكاسها" كما في نصوص "انتظار,ارتباك" وخاطبت الأنثى بضمير الغائب أو من خلال السرد بصيغة الماضي والحاضر وذلك لتصوير الظلم الواقع على الأنثى في مجتمعاتنا العربية وتلك التبعية التي تخضع لها وما زالت بحكم العادات والتقاليد والأنوثة الناعمة فتعزل نفسها داخل شرنقتها وتتقوقع على نفسها رامية بكل ما يمكنها تحقيقه وانجازه من خلال الثورة والتمرد على هذه العزلة , من هنا جاء عنوان المجموعة القصصية "ظلال العزلة".

أ. عزيزة الطائي باحثة وكاتبة عُمانية , تعمل في وزارة التربية والتعليم وتحاضر في جامعة السلطان قابوس . تُعد حالياً رسالة الدكتوراة في "الخطاب السردي العماني : الأنواع والخصائص 1939-2010 " ,  لها مجموعة من الدراسات النقدية , صدر لها :
- شعر صقر بن سلطان القاسمي : دراسة نقدية. دار جرير، الأردن
 -ثقافة الطفل بين الهوية والعولمة ، مؤسسة الدوسري، البحرين 
 -رواية "أرض الغياب" دار فضاءات الأردن
- مجموعة قصصية (ق ق ج) "ظلال العزلة" , دار فضاءات الأردن ..