دائرة معارف وطنية
مع إندياح موجة التُقانة والفضاء السبراني وتقنيات التواصل الإجتماعي، أصبح المواطن العربي مُحاصراً بالحداثة من كل جانب، ولأول مرة في التاريخ تفرض موجة التثاقف acculturation نفسها على المجتمعات العربية والعالمثالثية، بحيث أصبحنا نتحدث عن الحتميات التاريخية الكبرى التي كانت سائدة منذ أيام هيغل.
في الأردن ، تظهر الحاجة الماسة للتفاعل مع موجة التثاقف التي تزداد وتيرتها بمكوكية فائقة، ذلك أن الإنزواء يُقلص من خيارات الأردن الإستراتيجية، ويحشرها في جيتو الإنغلاق ومزيداً من التبعية الثقافية والفكرية، لكن ما السبيل إلى التفاعل مع الحوار العالمي دون الوقوع في مغبة الإنفتاح المطلق الذي يؤدي إلى سياسة التغريب الشامل وبالتالي مزيداً من الخلل في الإستراتيجية الثقافية؟
المقترح الأول هو بناء دائرة معارف أردنية Jordanica على غرار دائرة المعارف البريطانية Britannica أو دائرة المعارف الأمريكية Americana ، وتأسيس قاعدة بيانات وطنية شاملة لكل مناحي الحياة الأردنية، وهنا نستذكر الرسالة التي وجهها المغفور له الملك الحسين – رحمه الله- لسمو الأمير الحسن سنة 1987م ، وطلب فيها المغفور له الحسين من سموه تشكيل لجنة من المفكرين والمؤرخين والاكاديميين الأردنيين ، ليقوموا بوضع خطة شاملة لكتابة تاريخ الأردن والتأريخ لأجهزته ومؤسساته الوطنية، ونشر دراسات وبحوث عن تاريخ الأردن المعاصر.
من هذه البذرة المباركة يجب البدء بإنشاء دائرة للمعارف الأردنية ، تشمل المناحي الإقتصادية والسياسية والثقافية والأدبية والفنية، بل وإسهامات فكرية في مجال التجديد الفلسفي والديني وعلوم الأثار والفلك والهندسة وغيرها، بحيث تقوم كوكبة من الأساتذة والعلماء بتدوين الإنجازات والفتوحات العلمية التي أضافوها كلٌ في مجاله.
وكما في دائرة المعارف البريطانية يمكن إلحاق طبعة للأطفال والناشئة children edition هدفها تنشئة جيل يملك ناصية المعرفة ويتكىء على وعي حضاري ووطني، بالإضافة إلى التأريخ لإنجازات المملكة بطباعة ما يسمى الكتاب السنوي yearbook ، وهو ما تقوم به كبرى جامعات أوروبا مثل أكسفورد وغيرها.
ومن جانب أخر يجب البدء بتأسيس قاعدة بيانات وطنية تخدم صاحب القرار، وتضعه أمام المستجدات الطارئة، وهذا يعني إعطاء الحكومة الالكترونية مزيداً من الصلاحيات والإستقلالية في العمل، كما يجب تبيئة معطيات الحداثة الغربية وتوظيفها لخدمة المواطن، وهذا يتطلب مزيداً من التداخل بين المنظمات والمؤسسات البحثية والحكومية، مثل دائرة الإحصاءات العامة والحكومة الالكترونية ووزارة الثقافة وغيرها من المؤسسات التي تُعنى بالشأن الثقافي والأكاديمي والإعلامي.
وهنا نعود إلى عنق الزجاجة التي آرقت المسؤولين في بلدنا العزيز، وهي التغير السريع في الإدرات وتقلب الوزارات وتغيرها بسرعة، وهنا أيضاً يجب تبني مفاهيم علم الإدارة الحديث ونظريات المنظمة organization theory التي تنص على الفصل بين السياسة والإدارة، فالإدارة وإن كانت متغيرة إلا أنها يجب أن تتبنى سياسة ثابتة، وأبرز مثال هنا هو الولايات المتحدة التي تتغير فيها الإدارة كل أربع سنوات لكنها تبقى تحافظ على نفس السياسة والنهج.