الجولان ، عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء


كان يحلو للكثيرين تسمية الجبهة الجنوبية من سوريا بالخاصرة الرخوة التي منها ينبعث الخطر وتؤذن بسقوط دمشق العاصمة مستندين في آرائهم على معطيات كثيرة أهمها وجود " إسرائيل " واحتضانها للجماعات المسلحة في جبهة الجولان ذلك الاحتضان الذي ظهر جليا من خلال تقديم الدعم اللوجستي والمخابراتي وحتى العسكري لجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام وما تفرّع عنها من تنظيمات كجبهة ثوار سوريا وحركة أحرار الشام ومجموعات أخرى وقد وصل التنسيق بين الجماعات المسلحة وإسرائيل مداه بعد السيطرة على معبر القنيطرة من قبل تلك العصابات المسلحة في شهر آب من العام الماضي 2014 ، حيث سبق ذلك اخلاء المنطقة الفاصلة من قوات حفظ السلام الاندوف بعد الاعتداءات المتكررة عليهم وخطفهم من قبل تلك العصابات بمباركة صهيونية وقطرية التي قامت بدفع فدية للمسلحين لاطلاق سراح المخطوفين من قوات الاندوف ال 43 ، بالإضافة الى اسعاف جرحى المسلحين ونقلهم إلى مستشفيات الكيان الصهيوني حتى زاد عددهم عن 1850 مصابا .
ويرى هؤلاء المحللون أن قيام إسرائيل بقصف دمشق ومواقع الجيش السوري غير مرة وعدم رد الجيش السوري على تلك الاعتداءات سببه خوف النظام السوري من الدخول في حرب مفتوحة مع اسرائيل لا يمكن أن يقدر عليها وتساعد بإسقاطه وتدميره .
ومن جهة أخرى يرى بعض المحللين أن انطلاق الاحتجاجات أو ما يحلو للبعض تسميته شرارة الثورة من درعا وسيطرة المسلحين على عدد كبير من البلدات والقرى في تلك المحافظة يعود إلى ولاء أهل المنطقة واحتضانهم وولائهم للمسلحين مما يعيق تحركات الجيش السوري وقيامه بعمليات نوعية مؤثرة .
أسباب كثيرة يسردها المتفلسفون من المحللين حتى أوشك البعض أن يصدّق أن الجبهة الجنوبية هي التي ستحسم الأحداث في سوريا وتسقط النظام فيها وكيف ، لا ؟ والعصابات المسلحة تتلقى التدريب والتسليح وكل أشكال الدعم من الدول المجاورة للجنوب السوري فتسرح وتمرح تحت حراستها وإمرتها .
الحقيقة التي لا نجادل فيها أن قوات الجيش العربي السوري تقاتل على كافة الجبهات وعلى جميع التراب السوري من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب فهو يواجه طوفانا من المقاتلين وشذاذ الآفاق من الإرهابيين قدموا من 90 دولة في العالم ، وأنّ أعتى الجيوش في العالم وأقواها لن تستطيع الصمود بوجه هذا الطوفان من الإرهابيين والمرتزقة ؛ ولكن الشيء الذي أغفله الكثيرون وتناسوه أن القوات السورية تستطيع الدخول إلى أي منطقة في الجغرافيا السورية وقتما تشاء ولكن حسابات الميدان هي التي تعطي أولوية لمنطقة على حساب منطقة أخرى وهذا شأن الجبهة الجنوبية .
لقد ارتكبت إسرائيل خطأ كبيرا و استراتيجياً . وأوقعت نفسها في المحظورات حين ارتكبت جريمة القنيطرة الشهر الماضي وأن اللعب بالنار لا يعني أن النار لعبة وبهذه الجريمة وضعت إسرائيل إيران على حدودها وعلى تماس مباشر معها . وقد شعرت إسرائيل بحجم المأزق الذي أوقعت نفسها فيه بعدما التقطت التصريحات الإيرانية المهددة بعواصف مدمرة، فأطلقت إشارات نحو رغبتها بالتهدئة من خلال قولها إنها لم تكن تعلم بأن بين من استهدفتهم الغارة جنرالاً إيرانياً هو محمد علي الدادي ، وجاء الرد الأولي من حزب الله في مزارع شبعا وكان رداً مؤلما وموجعا ، ولم يكن بإمكان إسرائيل سوى الاكتفاء بلعق خيبتها ولملمة جراحها والسكوت بعد أن وصلتها الرسالة الأولى
أما الرسالة الثانية كانت حين أعلن الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله أن قواعد الاشتباك قد تغيّرت وأن محور المقاومة ليس معنيا بتلك القواعد من الآن فصاعدا ، فهمت " تل أبيب " الرسالة وأيقنت أن زمن الاكتفاء بالتهديد والوعيد وزمن الشجب والاستنكار قد ولّى ومسح من قاموس المقاومة وأن معركة تحرير الجولان قد بدأت بالفعل وأن عقارب الساعة لن تعود للوراء ، وفعلا بدأ الجيش العربي السوري معركة واسعة في الجبهة الجنوبية في أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة وحقق تقدما سريعا وملموسا واستطاع تحرير عشرات القرى والبلدات ومن بسط سيطرته على عشرات الكيلومترات في ظل انهيار دفاعات العصابات المسلحة وتعاون الأهالي مع الجيش في بسط الأمن والأمان في تلك المناطق .
وعاشت " إسرائيل وتعيش الأن هول الصدمة وهيستيريا الفشل مرة أخرى فحلمها بإقامة منطقة عازلة يتبدد أمام أعينها والجيش العميل المكلّف بحماية تلك المنطقة لم يقوَ على الصمود لعدة ساعات أمام جبروت الجيش العربي السوري وسطوته وبدأت القنوات العبرية بالتحليل والتركيز على مجريات المنطقة في ظل تواتر تقدّم الآلة العسكرية السورية وقد أجمع جلّ المحللين الصهاينة أن جبهة الجولان أصبحت مفتوحة على مصراعيها
ولكن هل تقف إسرائيل موقف المتفرج أم ستقوم بعمل ما ؟ وما هو الدور الأردني في هذه الجبهة بعد هذه الأحداث المتسارعة والعصيبة ؟
ليس هناك مجال للمناورة والالتفاف على الأمر الواقع إن استمر الجيش السوري في عملياته العسكرية وقرر بسط سيطرته التامة والمحكمة على طول الحدود الجنوبية المحاذية للكيان الغاصب وللأردن ؛ ليس هناك إلا أحد خيارين إمّا الدخول في حرب مفتوحة مع الجيش العربي السوري دفاعا عن العصابات المسلحة وبالتالي الدخول في حرب مكشوفة أمام العالم في الدفاع عن الإرهابيين ونصرتهم وبالتالي خرق قرارات مجلس الأمن 2170 و2178 اللذين ادرجا جبهة النصرة وما شاكلها منظمات ارهابية مجرمة يحرّم التعامل معها وتسهيل الحركة لأفرادها بالتنقل من أراضيها الى سوريا والتغاضي عنهم أو تقديم الدعم المالي والعسكري لهذه العصابات الإرهابية ؛ وإن حدث هذا سيجعل من هذه الدول راعية للإرهاب وداعمة له أمام شعوبها أولا وأمام الرأي العالمي ثانيا .
أما الخيار الثاني هو التخلّي عن هذه العصابات وتركها تواجه مصيرها المحتوم بالهزيمة والاندحار وهذا يعني تبدّد الحلم الصهيوني من جهة وتبدد حلم الدول التي راهنت على إسقاط الدولة لسورية وهذا يتطلّب من دول الجوار عدم توفير ملجأ لهؤلاء المسلحين يقيهم جحيم نيران الجيش السوري وإغلاق الحدود في وجوههم .
وعليه فالأيام القادمة حُبلى بالأحداث والمفاجأت .