لماذا تحول معاذ إلى أيقونة؟
مر أكثر من أسبوع على الحدث الذي زلزل الأردن، لا بل العالم كله؛ إعلان تنظيم "داعش" الإرهابي عن جريمته بحق الطيار الشهيد معاذ الكساسبة. ومع ذلك، ما تزال تداعياته في أوجها، وكأننا في اليوم الأول.
خارجيا، السجال حول الجريمة مستمر في أروقة الساسة ووسائل الإعلام. التوقعات بشأن خطوات الأردن المقبلة هي الموضوع الأبرز عربيا ودوليا، والحديث عن دوره في الحرب على الإرهاب صار مقرونا بمصير التحرك الدولي بمجمله.
أردنيا، لم تخمد للحظة حملة التضامن مع عائلة الشهيد؛ بيت العزاء ما يزال يستقبل المئات، ووقفات الاستنكار، ومهرجانات التعبير عن الفخر بالشهيد، تعقد في كل مكان.
يصعب إحصاء المرافق العامة التي أصبحت تحمل اسم الشهيد معاذ؛ ففي كل مدينة وبلدة وجامعة ومؤسسة، أصبح هناك مبنى، أو ميدان، أو حديقة تحمل اسمه.
كيف تحول الشهيد معاذ إلى أيقونة أردنية كسرت حدود المحلية، وبلغت مرتبة عربية وعالمية؟ السؤال الأدق: لماذا تحول معاذ إلى أيقونة؟
لأنه قضى شهيدا بهذه الطريقة الوحشية التي لم يسبق لها مثيل؟
عديدون قبل الشهيد معاذ قتلوا على يد التنظيم الإرهابي بوسائل وحشية صدمت العالم؛ قطع الرقاب، ونحر الصدور، وإلقاء الضحايا من على أسطح المباني، والقتل الجماعي، ناهيك عن جرائم سبي النساء وبيعهن في الأسواق.
هل لأن معاذ هو أول شهيد أردني على يد "داعش"؟
هو بالفعل أول شهيد، لكن لماذا لم يتحول من سبقوه من ضحايا إلى رموز في أوطانهم، كما أصبح معاذ؟
أم لأن الشهيد معاذ ضابط في الجيش الأردني، وللجيش مكانة استثنائية عند جميع الأردنيين؟
هل تعكس غضبة الأردنيين من الجريمة موقفا شعبيا معاديا للجماعات الإرهابية، رغم ما يظهر من تعاطف أوساط اجتماعية غير قليلة معها، لا بل والتحاق مئات الأردنيين بصفوفها؟
كان هناك اهتمام شعبي كبير بقضية الشهيد معاذ منذ اليوم الأول لسقوط طائرته، واهتمام رسمي على أعلى المستويات، تجلى في ردة فعل الدولة ومؤسستها العسكرية بعد الكشف عن خبر استشهاده. وقبل ذلك، رد فعل الملك عبدالله الثاني الذي أثار إعجاب العالم.
هذا الاهتمام جعل من معاذ رمزا أردنيا، حتى قبل التأكد من نبأ استشهاده. ثم، وبعد استشهاده، قفز الشاب الطيار إلى مصاف شهداء ورموز من وزن وصفي التل وهزاع المجالي.
وأكثر من ذلك، تحول الشهيد معاذ إلى عنوان للحظة تاريخية ومرحلة جديدة؛ "الأردن بعد معاذ"، "الحرب على الإرهاب تدخل مرحلة جديدة بعد جريمة الطيار الأردني"، "إنها بداية النهاية لتنظيم "داعش" الإرهابي".. ألم تكن هذه عناوين وسائل الإعلام، ومداولات الساسة حول العالم؟
استشهاد معاذ حمل كل الدلالات التي أشرنا إليها من قبل. شهادة فيها كل معاني التضحية والرجولة التي طالما تفاخر بها الأردنيون. هذا ما كانوا يشتهون؛ رمزا وطنيا مثل وصفي وهزاع، وقد وفر الشهيد معاذ لهم ذلك المعنى المفقود بعد نحو أربعة عقود.
شحنة الوطنية المتدفقة في كل مكان في الأردن لن تفوت فرصة الشهادة، وستظل تحتفل بالشهيد لتستعيد عافيتها.
معاذ قدم خدمة جليلة للأردنيين، تجاوزت دوره البطولي في الحرب على الإرهاب.