طعام الشحادين
كطعام الشحادين، عشرات الأصناف العشوائية و الغير متجانسة تتناثر هنا وهناك، نواشف على معجنات على طبايخ مشكلة ومختلفة بعضها "بلحمة" وبعضها الآخر بدجاج وبعضها بنكهة الماجي.
رغم تلك الأصناف المتداخلة والمتشابكة تبقى فراغة العين سيدة المائدة إلى أن تتعب الأضراس من العلك والمضغ.
المشهد لا يختلف كثيرا عما باتت عليه اليوم الآراء والتحليلات السياسية والاقتصادية بالنسبة لنا، وكذلك الأخبار المتناقلة والمحدثة والعاجلة والمتضاربة.
زمان كان لدينا تلفزيون "أبو طقة" وكنا نصدقه في كل ما يقول ولم نكن نشكك به اطلاقا خاصة فيما لو أطل علينا وقتها المذيع "جبر حجات" فصوته كان بالنسبة لنا ثقة عمياء وتجاعيد وجهه كانت تمنحنا جرعة زائدة من أن القول لا يحتمل التأويل أبدا.
لم يكن لدينا شيئا اسمه فيس بوك ولا واتس أب ولا قنوات فضائية ولم نكن نعرف شيئا عن الحزم سوى أنها كومة من الحطب نجمعها معا فنحزمها ونحملها للدفء والطبخ ليس إلا.
وقتها كنا مجبولين على الصدق على الثقة على الأمل وعلى الرضى بالمختصر كان لدينا شيء اسمه هداة البال.
أما اليوم فقد أصبح الواتس أب ضرورة من ضرورات البقاء وأصبح الفيس بوك أهم من العصب السابع وأما حزم الانترنت فهي روح الحياة واكسير الصمود.
لذا من الطبيعي أن نسمع في اليوم الواحد مئات بل آلاف الأراء والتحليلات والأخبار المتداولة على حدث ما، مهما كبر أو صغر بين مؤكد ونافي وبين صادق وكاذب وبين حقيقة وخيال فالكل أتيح له المجال على صف الحكي والتعبير فالحزم كثيرة والفراغ أكثر وأكبر.
لذا من الطبيعي أن نفقد الثقة، أن لا نصدق .... أن لا نقتنع .... ومن الطبيعي أن نشكك فالوجبة واحدة والأصناف كثيرة عشوائية وغير متجانسة مثل طعام الشحادين لا ننال منه إلا تعب المضغ والعلك دون أن ننعم أبدا براحة البال.
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com