رب ضارة نافعة


قدمت أسرة الشهيد الطيار معاذ الكساسبة ، تضحية كبيرة لا يمكن تعويضها من قبل الدولة أو من قبل الأردنيين كافة ، فقد خسرته زوجته ووالدته ووالده وإخوانه وشقيقاته ، ولن يعوضهم ما قُدم أو ما سُيقدم لهم ، مادياً أو معنوياً ، وستبقى أسرته فاقدة لعزيز عليها ، لن يعود ، وهي وحدها ستتحمل ثمن الخسارة إلى الأبد ، ولكن ما سجلته أسرته ، خاصة تصريحات والده الذي إحتسبه شهيداً ، فداء للأردن ، وما قالته والدته أن خبر إستشهاده مزق قلبها وأثار أحزانها ، ومع ذلك فهي تشكر الله تعالى على أن إبنها مات شهيداً ، وأنها فخورة به ، إنما يرفع رأس جميع الأردنيين ، ويجعلنا نتباهى أننا شركاء مع أسرة معاذ في وطن واحد ، وننتمي لشعب واحد .

أسرة الشهيد ، خسرت إبنها ، ولكن الأردنيين ، سيربحون جميعاً من إستشهاده ، فقد قدم خدمة جليلة قل مثلها ، في اللحظة التاريخية الراهنة ، فقد وحد الأردنيون على قضية ربما لم يسبق لهم وأن توحدوا ، على قضية مثلها ، بهذا الزخم ، وبهذه القوة ، كما فعلوا ، مع عنوانين إثنين أولهما التعاطف والإنحياز لقضية معاذ ، وثانيهما العداء للمجرمين الذين إرتكبوا حماقة إعدامه بالشكل الهجمي الذي نفذوا فيه طريقة الإعدام غير المسبوقة بحرقه .

لقد توحد الأردنيون ، بعد أن كانوا مختلفين ، على المشاركة أو عدمها ضمن قوات التحالف في التصدي لتنظيمي القاعدة وداعش ، فبعضهم قال أن هؤلاء من المسلمين لا يجوز العمل مع الأجنبي والتعاون معه لمحاربتهم ، وبعضهم قال ما لنا والحرب في سوريا والعراق ، طالما أن الأردن سالم معافى ، فلماذا نشارك في معركة لا تعنينا ، متناسين أن بلدنا سبق له وأن تعرض للأذى بسلسلة من عمليات التفجير والإغتيال ، وواجه سلسلة من المحاولات الأكثر عدداً وتنوعاً ، لإدخال سيارات وأسلحة وعناصر تخريبية للأردن ، عبر الحدود الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق ، والشيء المؤكد أن محاولاتهم لم تكن دوافعها طيبة ، ولم تكن غير عداونية ضد الأردن ومؤسساته ومواطنيه .

كما إختلف الأردنيون على دوافع المشاركة الأردنية بقوات التحالف ، فهل كانت المشاركة لدوافع الإستجابة للضغوط الخليجية والمطالب الأميركية ، أم أنها تعكس الضرورة الأردنية وأولوياتها ، في إتخاذ خطوة أو خطوات إستباقية لحماية الأمن الوطني الأردني .

وقدم معاذ من خلال إستشهاده ، شهادة تعرية لسلوك ودوافع وممارسات تنظيمي القاعدة وداعش ، المتطرف ، وإفتقادهما لأبسط معايير السلوك الإنساني ، والإلتزام الديني ، ولا أدل على ذلك ، أكثر من شهادة أبو محمد المقدسي ، الموصوف على أنه منظر التيار السلفي الجهادي في الأردن .

كما قدم معاذ وإستشهاده غطاءاً لمواصلة خيار الدولة ، بل ودافعاً أقوى في التصدي لداعش وللقاعدة ، فالقرار السياسي لدى الدولة ، كانت تنقصه التغطية الشعبية ، وقبول مشاركة الأردن في هذا الخيار من قبل الأغلبية الشعبية والحزبية والبرلمانية والنقابية ، وها هي النتيجة ناصعة فاقعة ، في إنحياز الأغلبية الساحقة من الأردنيين في دعم القرار السياسي والأمني ، عبر المشاركة الأردنية بكثافة نوعية وبزخم أقوى في تنفيذ عمليات قصف مركز وإستهداف موجع لقواعد داعش والقاعدة ، وبأدوات ووسائل قتالية متعددة ، وعلنية شفافة مما يدلل على ثقة صاحب القرار ، بما توفر لديه من تغطية وقبول جماهيري من قطاعات واسعة من الأردنيين ، لخيار التصدي لداعش وللقاعدة .

مشاركة الأردن ، وبقوة ، للتصدي لتنظيمي داعش والقاعدة ، وفر له دعماً مادياً ، وإسناداً قوياً من الأطراف العربية والدولية ، ستنعكس على مكانة الأردن ، وعلو شأنه ، وتحسين أوضاعه لتغطية إحتياجاته في ظل ظروفه المالية والإقتصادية الصعبة ، وما سلسلة الزيارات العربية والدولية للأردن ، سوى تعبير عن هذه المكانة التي يشغلها الأردن ، ويستحقها في نفس الوقت ، وهي لا شك أنها ستعود عليه بالخير .

h.faraneh@yahoo.com