طلفاح والرزاز والسامرائي

ظل حزب البعث في العراق اطارا عروبيا، تتجاذبه تيارات نظرية اساسية واخرى ثانوية، وظلت التيارات الاساسية جزءا، من التراث البعثي العريق على امتداد الوطن العربي، وتدور اختلافاتها وتبايناتها بين (اشتراكية عربية) واشتراكية ماركسية عند مجموعة (23 شباط) التي مثلها صلاح جديد ويوسف زعين والاتاسي في سورية (1966 – 1970) كما ان العلاقة بين العروبة والاسلام ظلت مفتوحة على نزعات علمانية بشكل او بآخر، كما انها في كل الحالات لم تغادر اعتبار (الاسلام) مكونا اساسيا في العروبة وليس العكس.

بعد عام 1980 والصراع الداخلي في حزب البعث الذي افضى الى اعدام مجموعة معروفة من رجالات البعث، بتهمة تدبير محاولة انقلابية، ترافقت مع تحولات معروفة في الاقليم والمنطقة، منها الانقلاب اليساري في افغانستان، وكامب ديفيد في مصر، وتداعيات سقوط الشاه في ايران، وصولا للحرب العراقية – الايرانية، بعد تلك المحطة، افسح غياب بعثيين كبار مثل عبد الخالق السامرائي (الذي اعدم) ومنيف الرزاز (الذي وضع تحت الاقامة الجبرية) إلى صعود بعثيين اسلاميين (اذا صح التعبير) .. وساعدت الحرب العراقية – الايرانية ومناخاتها على (تقدم بطيء) لهؤلاء البعثيين الذين تولدت عند بعضهم نزعات معروفة، قادتهم الى تحالفات ميدانية مع ظواهر اسلامية، مثل النقشبندية وغيرها.

وقد لعب العدوان الامريكي – الرجعي على العراق وتحطيم دولته الوطنية، دوره ايضا في اتساع شبكة التحالفات المذكورة، التي لم تخل من مرجعية داخل البعث نفسه، ظلت ثانوية حتى عام 1980 وكان من ابرز عناوينها (خير الله طلفاح) خال الرئيس الشهيد صدام حسين.

ويشار هنا الى تاثيرات اخرى لبعض المقاربات المشوشة غير المحدودة لعلاقة العروبة مع اسلام معين، كما وردت في كتابات المؤرخ الكبير الراحل، الدكتور عبد العزيز الدوري… والحق ان الدوري وطلفاح لم يكونا وحدهما من اتهما بمقاربة العروبة من زاوية اسلام بعينه، ذلك ان كتابات الوردي وبعض الدراسات اليسارية (اليمين واليسار في الاسلام) لعباس صالح تاثرت بدورها باسلام اخر (متشيع) سواء من زاوية انثروبولوجية (الوردي) أو ايديولوجية (صالح).

وبالمحصلة، فإن المطلوب من الرفاق البعثيين في العراق اجراء مراجعة لذلك وعدم السماح لاية ظروف وحسابات وتقاطعات بالتاثير في حزب البعث بوصفه حزبا قوميا اشتراكيا مفتوحا على نزعات علمانية…

وايا كان الموقف من النقشبندية والجماعات الاصولية الاخرى، مثل داعش فجميعها معادية للاشتراكية والقومية، واذا كان في حسابات البعث (في العراق) ضرورة ما للتقاطع معها أو مع بعضها، فعلى قاعدة برنامج البعث الذي لم يكن يوما ملحقا بهذه الجماعات.

فليس حزب البعث من يختفي او يناضل بشعارات غير شعاراته حتى لو كان بعض قيادات هذه الجماعات ضباطا سابقين في جيش بعثي. ويشار هنا الى انه من قبيل السخرية ما يردده بعضهم من ان البعث الذي اطاحه العدوان الامريكي يمكن ان يفكر باستعادة السلطة مع اطراف هذا العدوان نكاية بايران.