حرق كتب ابن تيمية

أقدم بعض الغاضبين من فعل الدواعش عبر جريمتهم البشعة بحق الشهيد الطيار الأردني، إلى الاقدام على حرق كتب ابن تيمية، وبعضهم دعا إلى ذلك صراحة عبر الإذاعات أو بعض الوسائل الإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يؤشر على عمق الأزمة لدى مختلف الطراف المتناقضة والمتشابهة.
إن ابن تيمية أحد أعلام الفقه الحنبلي، وله دور كبير ومقدر في مرحلة خطيرة من مراحل التاريخ الإسلامي وهي مرحلة الغزو التتري المغولي الذي اجتاح العالم الإسلامي في لحظة من لحظات ضعف الأمة، وله تراث فقهي كبير يستحق الاحترام سواء عند المخالفين أو المعارضين، ولست بمعرض الوقوف على آرائه الاعتقادية أو الفقهية، ولكن ينبغي أن نحتكم إلى قاعدة ذهبية تحظى بإجماع الأمة تقول: كل شخص يؤخذ من قوله ويرد، إلّا المعصوم النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ولذلك بدءا من أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى آخر رجل في الأمة يخطئون ويصيبون، ونأخذ منهم ونرد، من خلال العرض على الكتاب والسنة.
أختلف شخصيا مع كثير من آراء ابن تيمية، ولكن لا سبيل إلى التعامل مع هذا الاختلاف إلّا من خلال الحوار العلمي، ومن خلال الدراسة والنظر والمحاججة القائمة على حسن القراءة، وحسن الاستنتاج والقدرة على الاجتهاد، ومن كان يملك القدرة على الرد بطريقة علمية موضوعية تعتمد الدليل والبرهان فليتفضل، دون إساءة ودون تجريح ودون الذهاب إلى كل مظاهر الانفعال والتوتر الذي يؤدي إلى مزيد من خلق الفتنة في صفوف المجتمع، أما ما هو أشد إستنكاراً مما سبق الذهاب إلى حرق الكتب أو الدعوة إلى ذلك، لأنها لا تحقق أي فائدة، بل على النقيض من ذلك سوف تزيد من حدة التعصب المتبادل الذي سوف يدفع إلى مزيد من الانقسام،وتعميق الفجوة المفضية الى الضرر الكبير.
المشكلة التي يجب أن تكون محلاً لإعادة النظر تتمثل بالمنهج المتبع في تشكيل العقل العربي، وفي بناء طريقة التفكير لدى الأجيال التي تخلو من المنهجية العلمية، ولا تقوم على احترام الرأي المخالف وتقدير الموقف المعارض، ولذلك لا مجال لمواجهة المنهجية الداعشية بمهنجية داعشية متناقضة، لأن ذلك سوف يخلق نقيضاً من الطرف الآخر لا يقل عنفاً وتطرفاً في إقصاء الآخر وتهميشه، بل إلى العمل على نفيه وإعدامه.
نجد أحياناً أن الفرقاء السياسيين في عالمنا العربي، سواء كانوا علمانيين أو اسلاميين أو يمينيين أو يساريين، لا يفترقون من حيث المبالغة والتطرف في إتهام الآخر وشيطنته إلى تلك الدرجة التي لا ترى مجالا للتوافق واللقاء والمشاركة، ولذلك ما نود الإشارة إليه بمنتهى الصراحة أن «الداعشية» ليست متوقفة على موافقتهم بالآفكار والآراء والمواقف، بل الداعشية تظهر بالمنهجية وطريقة التفكير وطريقة التعامل مع الأفكار المخالفة.
إن ما جرى في مصر، من الفريق الذي جاء يتهم الإسلاميين باحتكار الحقيقة والإقصاء والتهميش، وجدناه مارس الإقصاء بدرجة مبالغ فيها، وتفتقر إلى العقل والمنطق، مما أدى إلى إدخال الدولة برمتها بنفق التعصب والثأر والانتقام المتبادل، بل إننا نقف على حقيقة واضحة ولا لبس فيها، أن الداعش والمدعوش سواء، فكراً ورأياً وموقفاً وممارسة.
نحن بحاجة إلى إعادة صياغة للجيل الجديد القادر على تخطي ثقافة متطرفة أنتجت عقلاً أحادياً ؛غير قادر على التعايش مع المخالف، وغير قادر على إبداء القدر المطلوب والحد الأدنى من قبول الآخر وحقه في الحياة والمواطنة والحرية والمشاركة.