بعد الغضب.. الشجاعة المطلوبة!


 

من ذا الذي يمكن أن يغفر لهؤلاء القتلة جريمتهم النكراء بحرق اسيرهم الطيار معاذ حتى الموت ؟ قد تستغربون إذا كان الجواب عند البعض: نعم ! فهؤلاء يفلسفون الأمور الى الحد الذي تبدو فيه الجريمة رد فعل طبيعيا كما يحدث عادة في الحروب وخصوصاً تلك التي ارتكبت في ظل احكام دينية دبجَها بشر باسم الآلهة والانبياء.. ونحن اذا التقطنا انفاسنا وسط هذا الغضب العارم على الجريمة وفكّرنا بهدوء ونظرنا ملياً في دواخلنا أو قرأنا بعض كتب التراث عندنا وعند غيرنا لاكتشفنا دون كبير عناء أن مثل هذه البشاعة ليست جديدة أو طارئة على سلوك المتشددين المتعصبين في تاريخنا كما في تاريخ الآخرين حين يريدون ان يحققوا أهدافاً غير دينية بسلاح الدين او تحت غطائه، ومن المعروف والبديهي أن العاطفة الدينية المتجذرة في نفوس المؤمنين بأي من الاديان قوية جياشة لأنها موروثة بالضرورة ومقدسة لاتمس ولا تخضع للمناقشة أو التساؤل أو الاعتراض، لذلك فان استخدامها من قبل اصحاب المصالح المخبوءة والظاهرة فعلٌ سهل وخطير في آن معاً، وهي في هذه الحالة تختلف كثيرا عن العاطفة الوطنية ولا يمكن مقارنتها بالانتماء العشائري ولا تشبه قط مشاعر الالتزام بالعقيدة الحزبية.. وما لم يتم وضع الضوابط الدستورية الملزمة للاحتفاظ بالعاطفة الدينية مكرسة فحسب لما يقتضيه الايمان من التعبير الروحي فان الخطر في استغلالها لاغراض أخرى خبيثة يظل قائما ماثلاً يمكن ان ينفجر في وجوهنا على شكل تاويلات وتفسيرات تقحمنا في نزاعات وحروب لا تنفعنا ولا تنفع الدين نفسه، وما لم يتم تحييد الاديان بعيداً عن العلاقات بين البشر فهذه تحكمها القوانين الوضعية المدنية التي تتطور مع الظروف والاحوال، وبعيداً عن الشؤون السياسية التي لا يمكن اخضاعها لمبادئ الدين وإلا تلونت بألوانها وقد تفسد بفسادها !
بعد حادث الاعتداء (المنكر ايضا) على الصحفيين في تشارلي إبيدو والضجة الكبيرة التي ثارت حوله في الصحافة الاجنبية قرأت مقالين في (الرأي الثقافي) يوم الجمعة 6/2/2015 أولهما للدكتور هشام غصيب والثاني للاستاذ محمد سعيد مضّية، وهما حريّان ليس بالقراءة فحسب بل بدراستهما جيداً وبعناية بالغة..
وبعد.. فاننا بحاجة - مع كل الغضب الذي ساورنا- ان نتحلى بالشجاعة الكافية لا للخروج من المأزق الذي نواجه فيه الآن قوى التعصب والظلام فحسب بل لقطع الطريق على نشوء مثيلاتها في المستقبل وأول الخطوات الشجاعة التي ينبغي ان نخطوها هي في مراجعة جادة لثقافتنا العامة المتوارثة وفي مقدمتها تلك التي تحكم مناهج التربية والتعليم وتملأ قلوب وعقول أبنائنا وبناتنا بما يمكن ان يفضي الى الفكر الارهابي الأعمى.