الحرب البرية…الفخ والمصيدة






لم يكن مستغربا أن يقوم تنـظيم داعش الارهابي بقتل الشهيد الطيار النقيب معاذ الكساسبة فهو تنظيم دموي لا يعرف الرحمة وبربري متعطش للدماء ولكن ما سبب صدمة عالمية كان في الطريقة الوحشية والبشعة في حرق الطيار الأسير المسلم حيا حتى الموت وبث الفيديو على الملأ، متنافيا مع روح العقيدة الإسلامية السمحة.

كان من الواضح أن التنظيم الإرهابي بغى من هذه الجريمة اللاإنسانية خلق حالة من الهلع والرعب بين مكونات المجتمع وبالتالي زيادة الضغط الشعبي على الحكومات خاصة في الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب من أجل الانسحاب، إلا أن النتائج جاءت مغايرة لمخططات التنظيم الإرهابي من ناحية أنه أخطأ الحساب في ما توقعه من الشعب الأردني. لقد كان لواقع نشر الفيديو الشنيع لإعدام الشهيد الطيار النقيب معاذ الكساسبة حرقا حتى الموت أن أدى إلى خلق حالة من الغليان والغضب بدلا من الخوف، بما في ذلك من كانوا يتعاطفون ولو بالسر مع هذا التنظيم الارهابي،

 ليس فقط على الصعيد المحلي بل أيضا على الصعيد الإقليمي والدولي مما أعطى صانع القرار في المطبخ السياسي الأردني اليد العليا في اتخاذ قرارات صارمة انتقامية بحق هذا التنظيم واستعادة الكرامة للمواطن الأردني.. والتوعد بان يكون الرد مزلزلا. في تصوري فلقد كان رد القوات المسلحة الأردنية وسلاح الجو الملكي ردا بالفعل مزلزلا أشفى غليل صدور قوم مؤمنين ولكن آن الآوان أن نتريث قليل ونفكر بلغة العقل لا بلغة العاطفة وأن نعي أن أي قرار غير محسوب العواقب قد يؤدي إلي نتائج عكسية لا سمح الله. قبل يومين اعلن منسق التحالف الدولي الجنرال جون الن في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن خطط للتحالف بالقيام بعمليات برية واسعة ضد ما يسمى بداعش بقيادة قوات عراقية مكونة من 12 لواء مدرب ومسلح ومدعوم بغطاء جوي من قبل طائرات التحالف الدولي والذي يشارك به الأردن.


 بغض النظر عن القدرات العسكرية الأردنية ومدى استعدادها للمشاركة في أي عمل بري خارج الحدود الأردنية، إلا أن مثل هكذا قرار يجب أن لا يؤخذ بتسرع ويجب التفكير فيه مليا. الوطن يمر حاليا بالعديد من الصعوبات الاقتصادية بما في ذلك الآثار الناجمة عن استضافته لمئات الألوف من اللاجئين السوريين وغيرهم من الدول الشقيقة. كلنا متفقون بضرورة اجتثاث منابع الإرهاب أينما كانت ولا يختلف اثنان على بشاعة ما اقترفه الارهابيون بحق الوطن والمواطنين، لكن بتصوري فإن المعركة الأهم هي المعركة الداخلية فضلا عن المعركة الخارجية. إنه من الأهمية بمكان أن نعمل على تمتين الجبهة الداخلية ومحاربة الفكر المتطرف بالفكر المعتدل. الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الوطن بالاضافة الي الاضطرابات السياسية التي تعصف بالمنطقة ككل تفرض علينا التصرف بحكمة ومنطق قبل التفكر بالعاطفة لذلك لا يجب ان تتسلح الحكومة بالتأييد الشعبي الغاضب والساخط على التنظيم نعم نريد ان ياخذ التنظيم عقابه ولكن ليس الثأر فالعقاب هو أحد أهم الوسائل لأحقاق العدل من خلال تحكيم العقل وليس العاطفة وهذا ما يجب أن يسعى إليه الجميع من أجل معالجة نتائج هذه الجريمة في سياق إمكانات الوطن ومصلحة الوطن وسلامة مواطنيه.

إن من اهم الأسباب التي أدت الى ظهور التنظيمات المتطرفة هي الفراغ الفكري والاحباط المجتمعي لدى فئة الشباب والتي تمثل الغالبية المطلقة في المجتمعات العربية.

لا يجب أن نسمح بأن يكون الأردن كبش فداء لأحد، ليس خوفا ولا جبنا وإذا فرضت علينا الحرب فسنقف جميعا خلف القيادة وخلف القوات المسلحة بكل ما أوتينا من قوة وسنتحمل النتائج مهما كانت قاسية ومؤلمة في سبيل الدفاع عن الوطن.