في ذكرى استشهاد الملكة علياء الحسين


اخبار البلد-هيفاء البشير
ذكرى الراحلة الملكة علياء تشكّل لي حالة خاصة ، من حيث ارتباط اسرتينا بتراجيديا حزينة، حيث فقدت كل منها احد ربّانها بنفس اليوم، فمثلما فقد كل من الأميرة هيا والأمير علي والدتهم, فقد أبنائي الستة والدهم الدكتور محمد البشير، حيث كان رفيقها في رحلة الاستشهاد بالطائرة المروحية قبل 37 عاماً وهما في ريعان الشباب أثناء تأدية الواجب الانساني خدمة لأبناء شعبنا الاردني وتفقد احوالهم، وللاطمئنان على واقع الخدمات الصحية في مناطق الجنوب اثناء زيارة لمستشفى الطفيلة كوزير للصحة آنذاك.
كم هو فاجع فقدان الأحبة، وكم هو قاسٍ، لكن ذكراهم الزكية تنهض لتواسينا، وتنير لنا درب عقود مضت بالحب والتفاني والامل، الذي منحوه في حياتهم لأسرهم ولوطنهم، وبالجود والعطاء لحظة وفاتهم تلبية للواجب الانساني، يسطّرون دروساً وعبر لأبناء شعبهم، كنموذج للتضحية بالروح والنفس شكلت منارة لسنوات طويلة تَـلَتْ. وبالرغم من أن سنوات حياة الملكة علياء محدودة، وفترة اقترانها بالراحل الملك حسين قصيرة، الا انها كانت تشكل الحلم الذي بدأ يرى النور، والزرْع الذي قاربت ان تنضج ثمراته ليشكل نموذجاً فريداً من التواصل مع الناس، وتلمّس احتياجات المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية والحياتية بشكل عام، ودعم مسيرة المرأة جنباً الى جنب مع شريكها الرجل لتحقيق اهداف الاردن التنموية، وتمكينها لتعزيز دورها في جميع المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
انحازت الملكة علياء الى الناس، وتقربت الى الفئات المعوزة منهم وزرعت الأمل والطمأنينة بقلوب الاردنيين وتفرغت الى متابعة هموهم ومعاناتهم اليومية وقدمت لهم الكثير من الدعم والعون, وظلّ لها طابعاً خاصاً انفردت به فأحبها الملك الحسين كما احبها ابناء شعبها، حيث وهبت حياتها لأجل القضايا الانسانية في ميادين العمل الخيري والتنموي، كما كان لها اهتمامات في ميادين الطفولة والفنون، فأنشأت مركز هيا الثقافي، الذي يعتبر من أهم المؤسسات التي اعتنت بعالم الطفل الأردني في مختلف الجوانب الثقافية والاجتماعية والفنية والترفيهية، والذي مازال يقوم بدوره بمهنية واقتدار والذي يشهد هذه الأيام انطلاقة ثانية جديدة له بعد التحديث والتطوير مستمراً في خدمة القضايا والأهداف التي أُنُشئ من أجلها. أثناء اقترانها بالراحل الملك حسين، مُنحت المرأة الاردنية عام 1974 حقّ المشاركة في الاقتراع والترشيح تحضيراً للإنتخابات التشريعية، وتعتبر هذه نقطة تحول في مسيرة الحياة السياسية بالنسبة للمرأة الأردنية إذ ارتبطت احداثها بشخص الملكة علياء آنذاك، كما كان لمؤسسة الملكة علياء للصم والنطق رعاية خاصة منها، ومازالت هذه المؤسسة تعمل بدافع من هديها ومن نفحات روحها، وبرعاية من الأميرة هيا إلى جانب اندية الأمير علي للصم، ليكونوا من الرواد في المؤسسات الاجتماعية المتقدمة في خدمة الاردن وخدمة قطاع واسع من هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة. لم تكن يربطني علاقة على الصعيد الشخصي بالملكة علياء الا أن الذكريات توقفت عند محطات عدّة انطبعت في الذاكرة ولامست القلب اذكر منها: قصّة حدثت في شتاء عام 1972 ، وفي نفس السنة التي اقترنت بها الملكة علياء بالملك حسين «رحمهما الله « حيث فاجأ الزائر الأبيض الوطن، واقفلت الثلوج الطرق، فأسرع كل من الملك حسين والملكة علياء لزيارة نزل الطالبات في الجامعة الاردنية لتفقد احوالهن وتأمين احتياجاتهن، كانت الزيارة مفاجِئة وسارّة، وما ان تجمعت الطالبات حتى تحّول السكن الى مكان للاحتفال بقرانهما، حيث لم يكن مضى على ذلك فترة زمنية بعيدة ، وتركت تلك الزيارة أثراً كبيراً لدى أهالي الطالبات من ابناء المغتربين وبنات المحافظات ، كما أعطت الزيارة أنموذجاً للدفء الملكي وللحميمية التي يلفان بهما ابناء وبنات شعبهما. يوم رافقت زوجي المرحوم الدكتور محمد البشير الى الديوان الملكي حيث دعانا الملك حسين والملكة علياء لحفل إشهار الاتحاد الوطني حيث كان زوجي عضواً منتخباً بالاتحاد الوطني آنذاك واحتفظت الذاكرة هذا اللقاء وما تميزت به الملكة علياء من تواضع وانسانية، واحتفظت في البوم الصور بلقطة لقائي بها ولم يخطر ببالي حينها ان زوجي سيكون يوماً رفيقها في رحلة الاستشهاد بعد هذا اللقاء بخمس سنوات. لمسات انسانية عديدة قامت بها الملكة علياء أذكر منها حصراً يوم فقدت الطفلة عبير عائلتها بحادث طائرة عندما ارتطمت بمنزلهم قرب مطار ماركا، واصرّت الملكة أن تنشأ عبير مع هيا وعلي، وان تتربّى في بيت الهاشميين، والحقتها بأسرتها لتحظى بما يحظى ابناؤها من حب ورعاية وتوجيه وتربية اسلامية عربية سليمة.
إننا ونحن نستذكر هذه الانسانة بتميّز حضورها و أدائها، وغصّة حزن على فقدانها، فإننا وحين نرى حضور أبنائها الهاشميين الذين اختلطت دمائهم بنسل الحسين الهاشمي - الاميرة هيا والامير علي، ونرى انجازاتهما على الصعيد المحلّي والإقليمي وتطلعاتهما على الصعيد العالمي، وتواصلهما الانساني، فإننا نزداد فخراً وثقة ويقيناً على استمرار زرع الخير والعطاء في نفوسهما، ولعل في مشروع «تكية ام علي» وما ينبثق عنها من مؤسسات ونشاطات والدور الذي تقوم به الأميرة هيا في دعم التكية، من حرص على فعل الخير وتجسيد ومأسسة الالتزام الاجتماعي مع المحتاجين، ومساعدة الناس، والتقليل من معاناتهم، انعكاساً لهذه الروح الراغبة في فعل الخير دائماً وملجأً للفقراء.
لقد كان لي شخصياً اهتمام دائم بمتابعة أخبار الأمير علي والأميرة هيا لخصوصية احساسي بهم نتيجة لتلازم المأساة، إذ هم صورة من أبنائي، وكم أسعدني نجاحهم في تأسيس أسرهم وتحقيقهم لمراكز متقدمة في الميادين الانسانية والرياضية على المستوى المحلي والاقليمي والدولي وانحيازهم الى الحياة والى الناس دائماً، إذ تتجلى بذور الخير والعطاء الانساني في شخص الأميرة هيا، وبدور الأمير علي وتطلعاته، وقد أوشك على وضع بصمة أردنية على الرياضة الأكثر جماهرية في العالم التي تعتبر محط أنظار وأفئدة قطاع واسع من الشباب أينما وجد، وعبر مسيرة حياتهما الى جانب مؤسسات وطنية وخدمية وتعليمية وخيرية ومبادرات إنسانية حملت اسم الملكة علياء، فتكيّة أم علي، ومركز هيا الثقافي، والمطار الدولي، والكلية الجامعية، ومركز القلب، والمستشفى العسكري، ومسابقة للعمل الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية، ومؤسسة للسمع والنطق، ونادي الامير علي للصم، ناهيك عن شارع رئيسي، وميادين في المدينة التي أحبت والتصقت بعاصمة مُلْكِ قرينها الراحل الملك حسين رحمه الله، في ذلك كله نفحات من روحها ومسيرتها وحياتها ستبقى شاهدة على العصر وعلى غلبة الطابع الانساني على الاعراف الملكية.