شهادة نفخر بها
غمرتنا مشاعر الفخر والسعادة ونحن نقرأ الكتابات والتعليقات الخارجية من مواطنين يطلبون من قادة دولهم، بمن في ذلك رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما، أن يتعلموا من ملك الأردن. وقال بعض المعلقين: نعم، أريد هكذا رئيس لبلادنا. وكتبت صحيفة "النهار" البيروتية تعليقا يقطر أسى على تعامل الحكومة اللبنانية مع ذبح أكثر من عسكري لبناني، مرة تلو الأخرى، من دون ردّ فعل يشفي غليل ذويهم، أو يعيد الاعتبار للكرامة والوطنية اللبنانيتين. وتم تداول صور التعليقات هذه بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد وصلني من أصدقاء سيل متصل لصور هذه التعليقات، بما يعكس مشاعر الأردنيين العفوية والصادقة.
عندما كنا في صيوان العزاء في عيّ وجلالة الملك يجلس مع والد الشهيد معاذ، اقشعرت أبداننا عندما سمعنا أزيز الطائرات المقاتلة فوقنا، وقمنا بالتصفيق. وقلت في داخلي: أنا على يقين أنها عائدة من ضربة جوية. وبالفعل، أبلغ جلالة الملك والد الشهيد أنها مقاتلات أردنية عائدة للتو من أول ضربة جوية توجهها للمجرمين، ردا على جريمتهم النكراء.
أي عزاء لوالد الشهيد أقوى من ذلك، وأي اعتزاز وفخر للأردنيين أن يكون جنديهم غاليا وثمينا هكذا، وأي انعكاس على معنويات الجنود والضباط ونسور سلاح الجو الأبطال هذا القرار بتدفيع المجرمين الثمن حتى النهاية؛ أي حتى القضاء عليهم. أو كما قال وزير الداخلية، وهو ابن شهيد الأردن الكبير هزاع المجالي: "فتحنا أبواب جهنم عليهم. ولن نتوقف حتى نقضي على داعش نهائيا". ونحن نريد أن نرى اليوم وقد جلبنا بعض قياداتهم والأيدي الآثمة التي أحرقت معاذ حيا، لتمثل هنا أمام العدالة، تماما كما فعلت أجهزتنا الأمنية مع المجرم زياد الكربولي الذي قتل سائقا أردنيا وأباً كادحا لعائلة كبيرة بدم بارد، بعد أن اختطفه وسرقه على طريق بغداد-عمان؛ فاستلته هذه الأجهزة من جحره هناك في عملية رائعة، وأحضرته حيا إلى عمان، ودفعت به ليد العدالة.
نعم، الأردنيون كانوا منقسمين حول المشاركة في التحالف ضد تنظيم "داعش" بسبب التباين في فهم حجم الخطر وحقيقته، كما هو التباين حول كل ما يجري على الساحة. لكن المشهد الرهيب الذي رتبه "داعش" بكل خسّة لحرق ابننا الأسير حيا، لم يبق شيئا للتخمين. إذ مهما كانت الاجتهادات حول التنظيم وخلفيته، فنحن أمام حقيقة ماثلة بأنه وحش خارج على كل عرف وقيمة إنسانية، وهو وجه، من دون أدنى اعتبار، طعنة مباشرة لكرامة وإنسانية ووطنية كل إنسان في هذا البلد، وأشعل الغضب في نفوسهم. وقدمت هذه الجماعة الدليل الذي ما بعده دليل على أنها فئة لا يمكن التهاون معها أو السكوت على وجودها.
لقد حُسم النقاش بشأن الحرب على "داعش". أما التساؤلات عن صيغتها واحتمالات الحرب البرية، فلا معنى لها ما دام هناك هدف نهائي واضح ومقرر؛ إذ تصبح في مجال القرارات والتكتيات العسكرية التي ستأخذ أشكالا متنوعة ومتدرجة، وفق مقتضى الحال. والأمر المؤكد أن دور الأردن سيكون أكثر مركزية، وسيحظى بدعم أفضل، يغطي الكلف الكبيرة لهذا المجهود. وقد جاءت أول إشارة من الإمارات العربية الشقيقة، في خطوة تضامنية جميلة؛ بإرسال سرب كامل من الطائرات لتشارك طائراتنا في عمليات القصف. وقد كان تم في وقت سابق تداول خبر توقف الطائرات الإماراتية عن المشاركة في عمليات التحالف الدولي بعد سقوط طائرة الشهيد معاذ.
في الأثناء، لا نتوقع وليس ضروريا استمرار حالة الاستنفار الإعلامي القصوى التي شهدناها في الأيام الماضية، وكانت حالة عفوية أصيلة شارك فيها المواطنون جميعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فالمعركة ضد الإرهاب والتطرف الظلامي طويلة، ولها أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، والحياة يجب أن تستمر مع مسيرة الإصلاح، مع ميزة جديدة ومتجددة، هي ثقة الأردنيين العالية بأنفسهم وبقيادتهم.