قراءة حول واقع تعامل وسائل التواصل الاجـتـمـاعـي مـع استشـهـاد الكســاسـبـة

أخبار البلد

أعاد الأردنيون تقييم الوقت والزمن، وصياغة الكلمة ومعاني كافة مفردات الحياة خلال أقل من شهرين، ليمدّوا حياتهم بما شاءوا هم وحدهم من تفاصيل استثنائية لا يعرفها ولا يعيها سواهم، فكان أن انتزعوا الصبر والحكمة والوحدة والثبات ولم يسمعوا سوى ما تخفيها حناجرهم من آهات حزن على شهيد الوطن الطيار معاذ الكساسبة، ونداءات الولاء للقيادة وحماية الجبهة الداخلية.

هي حالة يعيشها الاردنيون منذ الرابع والعشرين من كانون الأول الماضي، حين تم أسر البطل معاذ الكساسبة رحمه الله، فبدأت منذ ذلك التاريخ حكاية أردنية خاصة كانت خلالها الصباحات مؤجلة، والافراح منسية والحياة محنّطة بانتظار شيء واحد يعيد الامور الى حالها لما قبل ذلك التاريخ، بسماع نبأ الافراج عن ابن الأردنيين معاذ، لكن للأسف خُتم على حلم عودة الفارس الاردني بالشمع الأحمر عندما أعلنت عصابة داعش اغتياله، بجريمة حتما سيحتار المؤرخون في صياغتها!!

منذ أعلن «داعش» عن جريمته باغتيال فارس الاردن والعالم لملم الاردنيون أوجاعهم بوحدة لم يشهد لها مثيل، ليخيب ظن الأعداء بأول خططهم ضد وطننا، فتحوّل الارن الى بيت واحد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى بيت واحد وراء قيادتهم يشدّون على يد جلالة الملك ويؤكدون الولاء والثقة بجلالته الذي أكد أن معاذ رحمه الله ابنه وسينال جلالته له حقه، وهذا ما حدث وسيحدث.

تحوّلت عقارب ساعة الاردنيين كافة باتجاهات خارجة عن معايير الزمن الذي نعيش، فلم يعودوا يقيسون الزمن بما كان بالأمس وبما سيكون غدا، فحياتهم اتجهت بوصلتها بالكامل باتجاه نيل حق معاذ، والوقوف الى جانب أسرته، فبدأت حملات مختلفة بهذا الاتجاه تعزيزا للوحدة والتضامن وروح الأسرة الواحدة تغرّد بكاملها في سرب العدالة ونيل حق معاذ الذي حرق باستشهاده قلب الاردنيين كافة، ولم يظهر اي يصوت اردني يغرد خارج السرب.

وكانت في هذه الاثناء وسائل التواصل الاجتماعي من فيس بوك وتويتر وانستجرام وغيرها حاضرة بقوة في المشهد المحلي وحتى العربي والدولي فيما يخص قضية «الشهيد معاذ» وشكلت حلقة نقاش واسعة جمعت الملايين في حوارات ونقاشات ومبادرات ودعوات ونصائح ومناشدات ووجهات نظر شخصية وعامة، فكانت هذه الوسائل جزءا هاما من تفاصيل الحال المحلية التي أكدت متانة الصف الداخلي والحس الوطني العالي والوعي الكبير والوطنية التي خرجت من أي اطر تقليدية اعتادت عليها الأمم!!! وتكريس الاولويات بمعاذ وأسرته.   

في هذا السياق، وخلال أقل من ساعة منذ الاعلان عن استشهاد معاذ رحمه الله غيّر آلاف الأردنيين صور «البروفايل» على صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات وصور تؤكد حالة الحزن والحداد التي يعيشها الجميع، فيما اكتفى الآلاف بترك المساحة سوداء في منطقة «البروفايل».

وشكلت وسائل التواصل الاجتماعي مركزا لحوارات وطنية راقية، وتبادل الاراء والاعلان عن اي نشاطات، معتمدين على منهجية واحدة هي حب الوطن. فرغم ما شكلته هذه الوسائل عند دول العالم من أداة هدم حوّلها الاردنيون الى أداة بناء ومؤازرة، وشد العزيمة، فخرجت رسائل هامة من خلال هذه الوسائل أثبتت أننا في بلد عائلة واحدة نحمل ذات الفكر وذات الرسالة، فتشابهت الكثير من الاراء رغم عدم وجود تنسيق مسبق بين اصحابها لكن حتما تلقتي جميعها عند حب الوطن والقائد، فظهرت عشرات المبادرات والدعوات لمسيرات ووقفات تضامنية ومناسبات وطنية، على وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات و»البوستات» والصور التي تجاوزت بروعتها الحدود المحلية وباتت موجودة على آلاف وسائل التواصل الاجتماعي عربيا ودوليا. 

وفي متابعة لـ»الدستور» حول حضور استشهاد البطل معاذ الكساسبه في وسائل التواصل الاجتماعي بدا واضحا أنه تم تطويع اللغة والفكرة لقضيتنا الوطنية الانسانية والعائلية، فكانت يوميا تظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي عشرات العبارات والصور والبوستات من جميع افراد المجتمع من مواطنين ووزراء ونواب وأعيان وأحزاب ونقابات ومؤسسات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني، كل يحكي تضامنه بصورة جعلت من حال الاردن واحدا لمعاذ ومع معاذ والى معاذ، بالداخل وحتى بالخارج.

ومن أبرز ما تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشأن، (حداد على روح الشهيد البطل معاذ الكساسبة/ الاردن- Jordan)، (عظم الله أجرك يا وطن)، (وستعرفون من هم الأردنيون)، (حداد – انا لله وانا اليه راجعون)، (حداد «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون»)، («ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون»)، (الشهيد حبيب الله)، (عظّم الله أجرك يا وطن)، (ما عرفوا غضبك يا أردن)، وصورة للبطل معاذ مؤطرة باللون الأسود كتب عليها انا لله وانا اليه راجعون.

ولم تقتصر حركة الاردنيين على وسائل التواصل الاجتماعي على هذه العبارات، بل انتشرت مئات الصور المعبرة للفارس الكساسبة، وعائلته والعلم وللقوات المسلحة، وايات من القرآن الكريم والاحاديث النبوية التي تشد من همّة الجميع وتوحد الصف، والسعي لنشر أحدث الانباء أولا بأول وأي تصريحات تصدر عن مسؤولين فكانت هذه الوسائل بكثير من الأحيان مصدرا هاما للخبر، اضافة لكونها وسيلة لتقريب وجهات النظر.

وشكّلت وسائل التواصل الاجتماعي ايضا مساحة لكتابة الكثير من العبارات من مسؤولين ووزراء ونواب، حتى أنها كانت وسيلة في بعض الاحيان عن مواقف رسمية في تغريدات لمسؤولين.

وشارك الكثير من ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي من الدول العربية الشقيقة والدول الاجنبية الصديقة بالكثير من الصور والجمل من خلال هذه الوسائل، تبادلوا فيها التعازي مع الشعب الاردني وكذلك الكثير من مقاطع البرامج التي وقفت مع الاردن وتضامنت معه، وكان الفلسطينيون ممن تواصلوا بشكل مستمر بهذا الخصوص، اضافة الى الأشقاء في دول الخليج العربي وكذلك من مصر.

كما عملت المؤسسات الرسمية والشعبية على نشر كافة نشاطاتها الخاصة بالبطل معاذ عبر صفحاتها في هذه الوسائل، فيما حرصت شخصيات على بث كلمات لها وأوراق عمل واقتراحات قدمتها محليا ودوليا بهذا الشأن، ووضع صور وأخبار لبيوت العزاء التي فتحتها السفارات الاردنية في دول العالم وكذلك بيوت العزاء التي فتحها المواطنون بمحافظات المملكة كافة.

لا يختلف اثنان على أن وسائل التواصل الاجتماعي خلال الايام الماضية حكت حال الشارع المحلي بكل تفاصيله بوجعه وأمله واصراره على النيل من المجرمين الذين اغتالوا ابن الأردنيين معاذ، وكانت منبرا للتأكيد على حب الوطن والالتفاف حول القيادة.