هل يُغيّر «التحالف».. استراتيجيته؟
بعد جريمة إعدام الشهيد معاذ الكساسبة بهذه الطريقة الوحشية، وبعد الفظاعات التي ارتكبها هذا التنظيم المارق بحق مدنيين وصحافيين أبرياء، وبعد أن بدا وكأنه غير معني بردود فعل المجتمع العربي أو الإسلامي أو الدولي، بات من الضروري الآن، أن يُعيد التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، قراءة المشهد الإقليمي من جديد، وخصوصاً بعد أن لم تسفر كل الغارات الجوية التي قامت بها طائرات التحالف عن نتائج ميدانية ملموسة، تضع داعش على طريق التصفية وتمهّد لهزيمة هذا التنظيم الهمجي الذي ما يزال قادراً على الإيذاء ومقارفة الارتكابات والقَطْعِ مع كل ما هو إنساني وأخلاقي وقِيَمي وديني وحضاري.
لم يعد سراً أن هناك – في المنطقة–من يريد لهذا التنظيم أن يبقى وأن يستثمر في وجوده، وأن يوظّفه لخدمة استراتيجيته ومصالحه، لكن الثابت أن تنظيماً كهذا لا يمكن الرهان عليه أو الاستثمار فيه، وهو إن استمر وحظي بالدعم الذي ما يزال يُقدّم له، فإنه سيرتد على صانعيه ولن يتردّد في ارتهان المنطقة لايديولوجيته المتخلفة، ويعيد انتاج ثقافة الجاهلية التي لا مصلحة لأي دولة وخصوصاً أي شعب، بالعيش في ظلالها، ما بالك أن هناك دولاً معروفة، يصعب على أحد إنكار دعمها لداعش وتبنيها لها، واحتضانها لمشروعها القائم على سفك الدماء واسقاط الأنظمة وإشاعة الفوضى (هل تذكرون تصريح جو بايدن الشهير؟).
ليست تركيا وحدها هي التي تحتضن داعش، والتي «صمدت» أمام الضغوط الأميركية والإقليمية، الداعية لانضمامها إلى التحالف الدولي واصرارها «المشبوه» على الربط بين محاربة داعش واسقاط النظام السوري، بل ثمّة في المنطقة من تداعبه أحلام الإتكاء على مقارفات داعش، كي يواصل ضغطه على بعض العواصم والدول الإقليمية وهو بذلك يلتقي – بهذه الكيفية أو تلك – مع هذا التنظيم البربري الذي «نجح» صانعوه في اظهاره على هذه الوحشية والانحطاط الأخلاقي والقيمي، وباتوا الآن – رغم إدعاءاتهم – يخشونه ويحاذرون إغضابه، بعد أن خرج على الطوق واسقط نهج الوصاية الذي ظنّ من أوجدوه أنها مضمونة لهم، فإذا بالمخلوق يتمرّد على خالقه، كما هي حال المسخ فرانكشتاين في الأساطير الغربية.
ثمة من يعترف حتى داخل المؤسسة العسكرية الاميركية، أن القصف الجوي لن يُغيّر كثيراً في المعادلة الراهنة ميدانياً، وهناك من قال – وما يزال – ان القوات البرية وحدها هي القادرة على هزيمة داعش وتحرير المدن والقصبات والارياف والقرى التي سيطرت عليها في العاشر من حزيران 2014 (الاستيلاء على الموصل) وقبلها أو بعدها..
صحيح ان جدلاً حول هذه النقطة ما يزال محتدماً، وبخاصة ان الرئيس الاميركي ورئاسة الاركان الاميركية حسمت أمرها واستبعدت تماماً خياراً كهذا، الاّ ان استمرار التمترس خلف حجة عدم الرغبة في الانزلاق الى حروب جديدة وخصوصاً ان الرئيس الاميركي في آخر ثمانية عشر شهراً من ولايته، يعني إبقاء سيف داعش ووحشيتها، قائماً في تهديد المنطقة دولها والشعوب، بل وبما يمتد الى ساحات عالمية كتلك التي رأيناها في احداث السابع من كانون الثاني الماضي في باريس، ودعوات داعش الاخيرة لأنصاره «في الغرب» بالانتقام من المجتمعات الاوروبية وخصوصاً فرنسا..
هل قلنا الموصل؟
نعم، ما يزال احتلالها لغزاً لم تُعْرَف تفاصيله بعد، بل والاخطر من ذلك ان الإحجام عن «تحريرها» يثير تساؤلات عديدة، بعد أن تمكن التنظيم منها وبعد ان راجت شائعات، كما قراءات وتحليلات وتسريبات ذات صدقية، بأن واشنطن وبعض الدول لا تريد تحريرها، بل وتعتبرها خطاً أحمر امام اي محاولة للهجوم عليها بهدف تحريرها «كما فعل عندما اعتبر الوصول الى اربيل عاصمة اقليم كردستان خطاً احمر غير مسموح لداعش تجاوزه»، لأنه يُراد استثمار ورقتها من أجل اعادة ترتيب المنطقة او التأثير في معادلة النفوذ والاحجام والاوزان التي ستترتب على اي إتفاق «نووي» مع ايران؟
هل يُعيد التحالف النظر في استراتيجيته بعد ستة اشهر من قصف جوي لم يحقق نتائج ملموسة؟
أحسب أن على الاردن، وقبل غيره من الدول، أن يضغط في هذا الاتجاه، فالحرب على الإرهاب لا تتجزأ وهي ليست موسمية أو تنجح بـ»القَطّاعي».