سؤال البيضة والدجاجة في مطالب الإصلاح الأردني
في محاولة لتوثيق عدد القوى السياسية الجديدة (غير الحزبية) والتي ظهرت على الساحة مؤخرا والتي تطالب بالإصلاح ، وكذلك لتوثيق ماهية هذه المطالب تبين لي أن هنالك 16 جهة اجتماعية وسياسية تنشط حاليا في الساحة الأردنية تقدم ما مجموعه 42 مطلبا سياسيا رئيسيا في إطار الإصلاح.
ما يجمع بين كل هذه القوى هو الاستعجال والمطالبات بالإجراءات السريعة ، وربما يمكن تبرير هذا الاستعجال نتيجة التردد الطويل الذي ارتبط بمحاولات الإصلاح في الأردن ولكن في الوقت نفسه تبدو هذه المطالب غير مرتبة حسب الأولويات التي يفرضها المنطق أو الإجراءات الدستورية.
هنالك حاجة ماسة إلى الإجابة على أسئلة جوهرية في مطالبات الإصلاح وهي تبدأ بكلمات مثل ماذا ، وكيف ، واين ، ومتى ومن حيث نحتاج إلى سلسلة منطقية من الإجراءات المرتبطة والمعتمدة على بعضها لأن الكثير من المطالبات الموجودة حاليا لا تتوافق مع التدرج التشريعي والسياسي وهي تمثل قفزة نحو الفراغ في أحسن الأحوال. وعلى سبيل المثال تطالب مجموعة شبابية بتنفيذ اعتصام مفتوح ابتداء من يوم الخميس في واحد من أهم الشوارع الحيوية في الأردن وهو دوار الداخلية حتى تتحقق مطالبها الإصلاحية.
هذه المطالب المرتبطة بالاعتصام تبدأ بانتخاب برلمان يمثل الشعب ، وهي عملية تشبه وضع العربة أمام الحصان. أن انتخاب مجلس جديد يعني الحاجة إلى قانون انتخاب جديد وإقراره في مجلس الأمة (أو كقانون مؤقت في غياب البرلمان) ثم التحضير اللوجستي للانتخابات والحملة الانتخابية وبعدها الانتخابات المبكرة وهذه عملية تحتاج إلى 6 أشهر على الأقل فهل ستستمر المجموعة في الاعتصام حتى ذلك الوقت؟ وماذا لو لم يكن المجلس الجديد محققا لطموحاتها في تمثيل الشعب؟
هنالك مطالب أخرى بتعديلات دستورية وهي مطروحة بقوة ولكنها تختلف بين جهة وأخرى ولكن كلها تحتاج أولا إلى توافق وطني حولها وبعد ذلك إلى إعداد هذه التعديلات. وحسب الدستور الأردني المعمول به حاليا تحتاج التعديلات إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة وليس المطالب من القوى السياسية ، فهل ستكون التعديلات قبل أم بعد الانتخابات المبكرة؟ هذه الاسئلة بحاجة إلى إجابات واضحة حتى نعمل بشكل منهجي وسليم ولا نبقى نلهث وراء اعتصام ما وبيان ما وما بينهما من تصريحات ومقالات.
أجد نفسي منحازا للجنة الحوار الوطني بالرغم من النقد المتواصل لها وأجد فيها من الخبرات والشخصيات الوطنية والنزيهة ما يجعلني أملك الثقة في قدرتها على الخروج بمقترحات عملية لقانون انتخاب جديد يمثل الخطوة الأولى في الإصلاح السياسي. تقوم الحكومة بتبني قانون الانتخاب هذا وتقدمه لمجلس النواب الحالي والذي يقره بسرعة وبدون تأخير خاصة أنه في حال تعطيل هذا القانون سيتعرض النواب لغضب شعبي يجعل امكانية عودتهم للبرلمان صعبة جدا. وبعد إقرار القانون يتم حل مجلس النواب والتحضير لانتخابات مبكرة وخلال فترة التحضير هذه يتم مناقشة التعديلات الدستورية المقترحة وخاصة إمكانية إنشاء المحكمة الدستورية وانتخاب حكومة برلمانية بشرط وجود قوائم حزبية متكاملة. وفي هذا الوقت ايضا تتواصل جهود الكشف عن حالات الفساد ورسم خارطة طريق للإصلاح الاقتصادي الذي يقترب من تحقيق العدالة الاجتماعية بدون تحميل خزينة الدولة عجزا مضاعفا بسبب الاستجابة للمطالب الفئوية المتكررة.
المطلوب هو عمل سياسي متواصل ومنطقي ولا يدخل في فخ النقاش حول أسبقية البيضة والدجاجة ، والاستعجال والارتفاع المتواصل لسقف المطالب السياسية قد يكون ظاهرة صحية للنشاط السياسي ولكنه أيضا قد يصبح مدخلا لانعدام التنظيم والتخطيط المنهجي والذي يعني في النهاية عدم الوصول للهدف المنشود.