نموت ورؤوسنا مرفوعة


 

لن يقول الأردن لعصابات داعش فلتذهبوا للجحيم، لأن الجحيم سيأتيكم حيث تكونون، وأينما وليت وجوهكم.. وعلى الرغم أن الأردن كان يستشعر أن ذئابكم التي تحمل في داخلها كل وباء ودنس قد امتدت بالفعل إلى طياره البطل، فإن أحدا لم يتصور أن تكونوا على هذه الدرجة من الرعونة لتطلقوا سورة الغضب من الصدور، حلفاؤكم تجنبوا المرة بعد الأخرى أن يمدوا أظلافهم النجسة إلى الأردن، لأن درس تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والانتقام النوعي والمدروس من الرؤوس المدبرة لهجمات عمان كان سريعا وقويا، هذه المرة، ستتلقون ما هو أبعد من العقاب وأوسع من الانتقام.

أصر الأردن على صفقة تبادل بعد أن تقدم داعش البينة على سلامة طياره، ولم يتجاوب مع أية ضغوط للتحدث حول الرهائن اليابانيين، وانساقت داعش لآراء ذئابها الذين لا يجيدون حتى قراءة آية قرآنية كريمة واحدة بعربية سليمة، ولا يعرفون أي غضب يتفاعل في الأردن، وأي ترقب للحظة الحقيقة يتملك الجميع، وكانت الوحشية والبربرية تستعرض عورتها في «الرقة» مع كل النزعات البدائية التي تمتلك الصدور لأشباه رجال لم يستطيعوا أن يضيفوا حجرا واحدا لأي بناء في أي مكان، فأصبحت غايتهم تقويض كل شيء والانتقام لرجولتهم المنقوصة في حفلة الرعب التي اعتقدوا أنهم يقيمونها في المنطقة.
داعش تجهل طريق السماء، ذلك أمر لا نقاش فيه ولا مجال فيه للرأي والاجتهاد، ولكن مقتلها أنها تجهل الأرض أكثر، ولو كلفت نفسها بقراءة بعض من التاريخ لعرفت أن هذا البلد الذي عاش إلى اليوم نحو قرن من التهديد المستمر والظروف الصعبة، هذا الشعب الذي خمشته موجات التصحر والغبار، وتوزع بين فلاح فقير يمسك على زاده القليل، وبدوي يناضل من أجل حصة شحيحة من حياة، وابن مخيم تمتد حياته بين قوسي الباطون والزينكو، هذا الشعب سيطلق اليوم غضبه ويتزاحم للمواجهة.
قتلوا معاذ، وهو الشهيد الذي سيظل في ذاكرة شعب يحترف الوفاء والعرفان، وما زال إلى اليوم يحتضن إلى اليوم ذكرى فراس العجلوني وموفق السلطي، ولكن أحدا لن يغفر طريقة قتله والتي اشتملت على التمثيل والتنكيل، فداعش مارست أقصى درجات التشويه للإسلام والمسلمين، فلم تتبع أو تقتدي بالحديث النبوي الشريف: (إياكم والمُثلة ولو بالكلب العقور)، ورهانهم أن الأردن سيتراجع عن موافقه، وسيخشى غضبة في الشارع ومطالبة واسعة بالانسحاب من الحرب على داعش، ولكن الأيام القليلة المقبلة ستثبت عشوائية تقديراتهم وقيامهم على أسس وهمية.
بعض الذين يتبنون مقولات (داعش) أو يعتقدون بأنها ليست خصما للأردن لا يستندون على شيء سوى رصيدهم من الصفاقة والصوت المرتفع، لا شيء فعلا على الأرض، واليوم، على الأردن أن يحسم خياراته بخصوص الأصابع التي تمتد داخله، وأن يستعد للتصعيد دون هوادة، فـ (داعش) تعمدت أن توجه رسالة مستفزة للأردن، وإذا لم يكن الرد قويا وحاسما وشاملا، فذلك سيغريهم بمزيد من اللعب بالنار، ولذلك، فلتكن المعركة هناك وليس هنا، ولتكن اليوم وليس غدا.
معاذ شهيد الأردن اليوم، وحزننا وانفعالنا لا يتعلق إطلاقا باستعداد هذا البلد لأن يدشن قوافل من الشهداء الذين سيموتون ورؤوسهم مرفوعة وعالية، كما وقف معاذ والنار تمتد إليه وتصعد جسده الواقف يدين داعش ومن وراءها.