الحل ليس برحيل الحكومة

ملف تلو الآخر يتناثر من كل اتجاه لدرجة يمكن التأكيد فيها أن حال الحكومة لم يعد يستطيع تحمل المزيد بتراكم تلك الملفات بتلك السرعة، ككرة ثلج يمكن أن تفضي في النهاية إلى الاستسلام وتقديم الاستقالة.
الرئيس عبدالله النسور بعد وصفه بـ«المحنك الحاسم» في تمرير قرارات «غير شعبية» متفق عليها ضمنيا مع مرجعيات عليا، وتلقى على أثرها دعما غير مسبوق لم تحظ به حكومة أخرى باستثناء حالات فريدة يبدو اليوم في موقف لا يحسد عليه، فهو الذي قفز عن ملف توقيع اتفاقية غاز مع «إسرائيل» قبل أسابيع لغايات المناورة، فوقع في فخ الكهرباء الذي ولد حالة تشنج بين الحكومة والنواب قبل تمرير القرار.
وفي الوقت الذي وجد النواب فرصة حقيقية في إضعاف النسور الذي كان دبلوماسيا أكثر من اللازم تحت القبة، بعد أن تراجعوا عن تمرير قرار رفع أسعار الكهرباء، أتت قضية الطيار معاذ الكساسبة كملف إضافي مرهق لم يجد النسور سوى تعليق أكثر إرهاقا لأهل الطيار والمتابعين بقوله: «التعليق غير مفيد الآن».
يرى سياسي بارز أن هذا هو حال الحكومات في البلاد، فهي غالبا ما تراكم الملفات، وتجلب الأزمات ولا تستطيع إدارتها، وهذه المرة زادت هذه الملفات بطول عمر الحكومة. يستدرك بأن الحل لن يكون في رحيل الحكومة، وهو كترحيل للأزمات، وبخاصة أنها هذه المرة ثقيلة وحساسة.
السياسي الذي كان وزيرا في حكومة معروف البخيت ذكر أن الحكومة آنذاك وقفت عاجزة عن تمرير قرار تحرير أسعار المشتقات النفطية، بحجة ذروة «الربيع العربي»، ورحيلها أفضى إلى رحيل الأزمة نفسها، ليورثها النسور الذي يواجه اليوم ملفات إضافية في ذروة الإرهاب الذي يضرب في كل مكان.
المتابع لملف «تعديل وتغيير» الحكومات يلحظ أنه كان يتصدر الساحة خلال الأيام القليلة الماضية، بعد تسريبات متنوعة بنكهات مختلفة أن النسور حظي بالضوء الأخضر لإجراء تعديل موسع على حكومته، بالتزامن مع إقرار الموازنة التي يبدو أنها عالقة عند النواب الذين سيجدون فيها أداة ضغط إضافية.
اليوم الحديث تحول من تعديل على الحكومة إلى إمكانية استقالة الرئيس، على اعتبار أنه كما لا يملك القرار -الكهرباء- ولا بد من تمريره كونه بالأصل مرتبطا باتفاقيات مع مؤسسات دولية -صندوق النقد- ستوقف توصياتها بانسياب المساعدات والمنح، غير ذلك المعضلة المالية التي تواجهها الدولة من ديون وعجز في الموازنة تتطلب تمرير القرار.
الخلاصة أن الدولة اليوم أمام تحديات أكبر، ولم تستغل فترة الأربع سنوات من عمر «الربيع العربي» في إصلاح الوضع الداخلي، بل على العكس انتهز رؤساء الحكومات بمن فيهم النسور تراجع موجات الاحتجاج بتمرير مزيد من القرارات «غير الشعبية»، وتجميد ملفات إصلاح مثل قانون الانتخاب وإجازة أخرى تحمل الكثير من الثغرات مثل الضريبة، واليوم يواجه الجميع. النتائج والأيام القليلة المقبلة تحمل في طياتها الإجابات عن كل الأسئلة التي تؤرق صاحب القرار قبل الناس، في كل الأحوال الحل ليس برحيل الحكومة.