حلف أنقرة -الرياض ...هل عادت المياه الى مجاريها ؟
يقرأ بعض المتابعين بالفترة الاخيرة ان مسار العلاقات التي جمدت تقريبآ باواخر عهد الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز ,بين انقرة –الرياض ,نتيجة لخلافات وصراعات كانت تتم خلف الكواليس واحيانآ تظهر للعلن بين انقرة –الرياض لاسباب كثيرة واكثرها حديه ماجرى بمصر من احداث بصيف عام 2013,,اليوم يبدو واضحآ من خلال رؤية بعض المتابعين لمرحلة مابعد عبدالله بن العزيز سعوديآ انه يمكن القول ان العلاقات المجمدة بين العاصمتين قد عادت مجددآ للتحرك وخصوصآ بعد ان قام الرئيس التركي "اردوغان " مؤخرآ بقطع زيارته الى القرن الافريقي للمشاركة بتقديم العزاء للسعوديين بوفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز ,,والواضح ان هذه الزيارة قد ساهمت الى حد ما بتحريك المياه الراكده ,,فمن المعروف ان بعض الساسة السعوديين كان لهم بعض التعليقات والملاحظات على ابعاد تجميد العلاقات مع انقرة بعهد الملك الراحل,,ومن هؤلاء على سبيل المثال ولي ولي العهد الحالي الامير محمد بن نايف الذي تجمعه علاقات جيدة مع المسؤولين الاتراك وعلى راسهم هاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركية .
هنا نستطيع القول ان هذا التقارب والذي للأن لم تكتمل معالمه بعد، ولم تعلم بعد ماهي المده الزمنية المتوقعة لاستمراره ان حدث فعلآ ؟ ،وسبب تساؤلي هنا عن المده الزمنية لاستمرار هذا التقارب ان تم فعلآ ,, بسبب وجود تجارب تاريخية "فاشلة" !! لكلا النظامين بعلاقات التقارب فيما بينهما فقد سبق ان لامست حالة التقارب بين "النظامين" حدودآ استراتيجية في التقارب، وقد كانت حينها انموذجآ اقليميآ بحالة التقارب تلك وقد اعتقد البعض انها قد تؤسس لحلف اقليمي جديد، ثم انهار كل ما تحقق على هذا الطريق مع أول خلاف دار حول الوضع السوري، وانفتاح الشهية الا خوانيه -والوهابيه للسيطرة على البلد الجريح، وتحديدآ من خلال التحريض المذهبي والإرهاب التكفيري،، وما تبع ذلك من خلافات حول مصر والشرعية للنظام القديم وشرعية النظام الجديد، والملف اليمني، والملف العراقي،وملف قطر والخلاف الخليجي معها,,وو,الخ،، وهذا بطبيعته ما يخشى منه كلا "النظامين" حاليآ بحالة التقارب الاخيرة ان تمت ، فالخشيه ان يتكرر سيناريو خلاف التجارب السابقه،، لذلك نرئ الان حاله من الشكوك المتبادلة حول طبيعة هذا التقارب واطره المستقبلية،،،، فالوقائع التاريخية تقول ان السياسات التركية -السعودية تحمل العديد من نقاط التناقض وعدم التقارب.
هنا سنحاول قدر الامكان الابتعاد عن مسار التجارب التاريخية لكلا النظامين ,,وسنحاول ان نقرأ عن الابعاد والخلفيات التي دفعت كلا النظامين مجددآ للتقارب ,,فالعامل المؤثر والواضح للأن بمسار هذا التقارب,, ان مجمل الملفات وتعقيدها بالمنطقة هو من ساهم مجددآ بجمع شمل النظام السعودي والنظام التركي من جديد بعد عاصفة من الخلافات نشبت بين النظامين، فليس اولها احداث مصر الاخيره كما تحدثنا ولا اخرها تطورات الاحداث بالمشهد السوري-العراقي-اليمني،، ونفس الاسباب التي دفعت النظامين للخلاف يبدو انها هي نفسها من ستلم شملهما من جديد,,فحقائق الواقع المصري والسوري واليمني والعراقي واحداث غزه الاخيره والخلاف القطري -الخليجي وتمدد ايران بالمنطقة كقوة اقليمية ,واكتمال مشروع تشكيل حلف اممي لمواجهة تنظيم "داعش الهلامي" ,,تبدوبمجملها هي من ساهمت ظاهريآ بجمع شمل الفرقاء من جديد، مع العلم أن هذه الملفات ليست هي وحدها من جمعت شمل الفرقاء من جديد,, بل هناك اليوم حقائق جديده وخفايا بدأت تظهر للعلن وهذه الحقائق والخفايا تقول ان كلا الدولتين اصبحتا الان تعيشان بمحيط جغرافي ملتهب امنيآ وسياسيآ "اليمن -البحرين -العراق -سورية" ،، وبوضع داخلي مضطرب نوعآ ما وما التغييرات الحاصله برأس الهرم القيادي وبالصف الاول لقيادات "آل سعود" موخرآ ما هو الا مؤشر خطير على واقع خطر تعيشه هذه العائلة المالكة .
في تركيا وبذات السياق فلا يمكن للنظام "التركي" في طبيعة الحال، أن يتبع نهج أقليمي جديد يؤسس لحاله تخد م توفير حاله من الامن والاستقرار بالاقليم فهو في النهاية، نظام إخواني، ليس له فكرة أو أداة أو أرضية أو حاضنة، سوى التحشيد المذهبي والتأزيم الجيو سياسي بالاقليم لضمان استمرار بقائه في سدة الحكم،، وهذه الحقائق المذكوره سابقآ لايمكن لأي شخص متابع لسياسة وأزمات "كلا النظامين" في الاقليم بشكل عام أن ينكرها,, فهذه الحقائق بمجملها قد أثرت على دور كلا النظامين بمختلف الصعد الاقليمية والدولية،، فاليوم بات حلم "تركيا بان تكون واحده من اعضاء دول الاتحاد الاوروبي هو امر صعب المنال، وعلينا ان لاننسى ان تركيابالفتره الاخيره بدأت تعاني عزلة إقليمية وضغوط دولية بعد فشل الرهان على الإخوان في مصر وعدم حدوث اختراق في الملف السوري التي كانت لها فيه مساحة نفوذ كبيره،، ولها دور بارز بتطور احداثه المتلاحقة على الارض السورية من خلال نفوذها الجغرافي والسياسي بدعم المعارضة السورية،، وبشق اخر فقد فشل النظام السعودي هو الاخر بملفات كثيره تخص الوضع العسكري بسورية وترتيب وضع يسمح بتعديل موازين القوى على الارض بسوريا والعراق واسباب الفشل هذه كثيره هنا، فليس أولها ولا أخرها الصمود السوري امام هذه الحرب "المفروضه" على الدولة السورية .
ومع هذا التقارب "المرحلي" الذي بدأت تتضح بعض معالمه بالفترة الاخيرة ، فمن الطبيعي أن نرئ كنتيجه اوليه لهذا التقارب "مستقبلآ "وبين الحين والاخربعض التقارب بالاراء بين النظامين في مجموعة ملفات اقليمية،، سواء في العراق أو في سورية، او في مصر او في اليمن،،، والسبب بذلك هو تجاوزالخلافات ولو مرحليآ فيما يخص تقاطع المصالح بين الاستراتيجية الإقليمية للنظام التركي والنظام السعودي والتجاوز المرحلي لحالة الاختلاف برؤية كلا النظاميين لاسلوب ونماذج الحلول بالمنطقة ,, وبالطبع هنا تجدر الاشاره الى ان هذا التقارب المرحلي سيتم دون تأثير وتغيير جذري على استراتيجية كل بلد في المنطقة،، وهذا بسبب أن هناك اختلافآ في سياسة تعاطي الدولتين في التعامل مع الأزمة السورية والوضع العراقي الفوضوي بشكل خاص، والخلاف حول النظام المصري الجديد، والوضع اليمني والبحريني المضطرب، وهذا كله بالطبع لايمنع الزيارات المتبادلة "مستقبلآ " للجانبين والتنسيق الامني والتبادل الاقتصادي، وو،الخ،، فالعلاقات يتوقع ان تسير مستقبلآ وبمختلف الاطر بين البلدين وفق أطر رسمية بالنهاية لما فيه مصلحة الدولتين ولتثبيت اعمدة واركان النظامين.
من ناحية اخرى فهناك اليوم عامل جديد دخل الى معادلات كلا النظامين بالاقليم وهو الخوف من ارتداد الارهاب الذي مولاه ودعما حركته عسكريآ وماليآ بسوريا والعراق واليمن من الارتداد عليهما فالشواهد كثيره هنا وخصوصآ ما اعلنته بعض الجماعات التكفيريه بأن هدفها القادم بعد سوريا والعراق هو مملكة ال سعود،وماجرى على الحدود العراقية -السعودية مؤخرآ من استهداف لثكنة عسكرية سعودية,,وماجرى مؤخرآ من استهداف لمراكز امنية تركية باسطنبول يثبت هذه الحقائق،ولهذا فقد اصبح كلا النظامين اليوم بين مطرقة أخطائهما التاريخيه وسندان الوضع الاقليمي الملتهب بالمنطقه وانعكاسه على الوضع الداخلي التركي والسعودي، والخوف من ارتداد الارهاب على كلا النظامين، وهنا لايمكن انكار فشل كلا النظامين بملفات سوريا والعراق ومصرواليمن ، وهذا بدوره شكل حالة احباط لكل النظامين بسبب فشلهم الذريع بمحاولة فرض واقع معين جديد بالمنطقة .
وهذا ما افرز وشجع بدوره كلا النظامين مؤخرآ على بناء وتأطير "مرحلي " لشكل من اشكال التقارب بالاراء نوعآ ما بخصوص الملف اليمني والعراقي والسوري و"المصري نوعآ ما "، فهذه الملفات بشكل خاص وضعتا "كلا النظامين" في خانة التناقض لفتره طويلة من الزمن ولكن المرحلة الحالية ونظرآ لصعوبتها وتطور وتلاحق الاحداث بالمنطقة هي من "أجبرت" كلا "النظامين" ان يكون هناك حاله من التقارب بين البلدين، ولو "مرحليآ" ،، فهذه الملفات بمجملها دفعت كلا "النظامين" للبحث عن مهرب يعيد لها نوعآ من توازن القوى بالاقليم قد يعطي لها شيئآ من القوه بتحالفات الاقليم المتوقع نشوئها قريبآ.
وبالنهاية،، فهناك اليوم حقيقه لايمكن انكارها وهي أن كلا النظامين قد استفاد من فوضى الربيع العربي، على اعتبار أنهما، وفي ظل غياب دور مصر وسوريا والعراق والتي كانت تلعب الدور المحوري في السياسة العربية الخارجية، أصبحت كلا الدولتان ترغبان بتعبئة هذا الفراغ بالمنطقة العربية وبالاقليم بشكل عام، مما اعطى كلا البلدين حالة غير مسبوقة بحالة التمدد الاستراتيجي بالمنطقة على حساب حالة الفوضى الموجوده وبعمق بالقوى العربية المؤثرة والتي كانت فاعله ولها دورها بالاقليم ككل،،، ومع أن المراقبون يعتبرون أن النظام التركي يملك من الأوراق ما يجعله قادرآ على التفوق على مطمح النظام السعودي في أن يكون نظام محوري وفاعل بالمنطقة العربيه،، إلا أن مسار الأزمة السورية المستمرة إلى الآن، ودور مصر المستقبلي،، والوضع باليمن،، وفرضيات التطورات المتوقعه بالوضع العراقي،، هي بمجملها ستكشف، حسب المراقبين، مدى ثقل كل من "النظامين "وقدرتهما على التأثير في مسار الاوضاع المستقبلية بالمنطقة، وهذا بدوره يطرح فرضية أن التقارب في موازين القوى يحتم على كلا النظامين التعاون والتعامل بمنطق الند للند، للحفاظ على مصلحة البلدين، ووجود كلا النظامين، ولو إلى حين.
كاتب وناشط سياسي -الاردن.
hesham.awamleh@yahoo.com