وداعا يا أم يوسف، يا أم أبا ثابت القضاة



والله لا أجد أجمل من أن أناديك بيا والدتي، فأقول وداعا يا والدتي، علّنا نلتقي في الفردوس الأعلى، ذلك أنه قبل أكثر من خمسة عقود كنت رأيتك للمرة الأولى في بلدة عين جنا/ متصرفية عجلون، وكنت ساعتها طفلا ربما في السادسة أي أني أكون من أتراب نجلك فضيلة الشيخ يوسف أحمد القضاة "أبو ثابت" أو يزيد قليلا.
...أنجبت الوالدة الراحلة قيد التوديع -بمناسبة رحيل روحها الطاهرة إلى البارئ الأعلى...- أنجبت ولدها "يوسف" في عام 1956 ميلادية، وهي لا تدري أنها أنجبت أمة في واحد. وتمر السنون، ويكبر الطفل يوسف أحمد القضاة سنة بعد أخرى، يكبر ورعا تقيا بارَّا بوالدته وأبيه وأهله ومجتمعه وأمته. قال تعالى(وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا). مريم/32.

ونشأ الشاب يوسف شهما نبيلا وديعا كريما وطموحا يسعى لتحقيق بعض أمانيه، ليكافئه المولى بشريكة درب، وديعة ورعة وتقية تحاكي كل ما فيه من ورع وتقوى ونبالة وكرم وشهامة. قال تعالى:( ... وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) النور/26 .

البارحة يا والدتي يا "أم فضيلة الدكتور الشيخ يوسف أحمد القضاة" ويا جدة كل من المترجم الإعلامي ثابت والمترجم الإعلامي مجاهد وطالب الشريعة الجامعي محمد "أبا عبد الله"، وجدة الكريمات الفاضلات "أم البراء" وشقيقتيها.

البارحة كان موعدنا للقاء بادر إليه نجلك الشهم الكريم البار "أبا ثابت" -كما هي عادته الطيبة الكريمة في كل السنوات الماضيات- لقاء يجمع كل الأهل والأقرباء والأصدقاء وعائلاتهم، وكان تقرر أن تجتمع النساء في بيت نجلك العامر في العاصمة القطرية الدوحة، ليهنئنكِ بالشفاء وبسلامة الخروج من المستشفى، إثر وعكة صحية ظنها الجميع عابرة كسابقاتها العابرات. وكان من المقرر أن يلتقي الرجال في حديقة جديدة لا يعرف لها ولدك كاتب هذه الكلمات البريئات عنوانا واضحا.

وقبيل الموعد المضروب اتصلت بأبي ثابت أسأله: أين تكون هذه الحديقة الجديدة يا تُرى، هذه التي فيها سنلتقي تلبية لدعوة نجلك لنا جميعنا بهذة المناسبة السعيدة، مناسبة خروجك من المستشفى بالسلامة.
وكانت المفاجأة، أن الترتيبات كلها قد تغيرت، وأن المنادي كان قد نادى روحك الطاهرة إلى البارئ الأعلى وأن الأمانة عادة إلى صاحبها.

قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ), لقمان/34

روحك الطاهرة يا والدتي يا أم يوسف الآن عند خالقها، وجثمانك الطاهر في الأجواء أو ربما وصل إلى العاصمة الأردنية عمان قبل لحظات. وغدا الاثنين، الثاني من فبراير/شباط 2015 ميلادية يوارى الثرى في مسقط رأسك في مدينة عين جنا بمحافظة عجلون في المملكة الأردنية الهاشمية. فطوبى لكِ وحسن مآب، راجين المولى أن يرحمك ويغفر لك ويدخلك فسيح الجنان مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

بقي القول ونحن نودّعك أيتها الحاجة التقية الورعة، إنك أيتها الوالدة النبيلة والجدة الكريمة أديت رسالتك على أحس ما يكون وأفضل ما يكون، وتركت نجلا ورعا تقيا صادقا أمينا وأحفادا متعلمين مثقفين متأدبين أتقياء ورعين وحفيدات متعلمات مثقفات متأدبات ورِعات وأبناء أحفاد، يُشار إليهم جميعهم بالبنان.

وكما أنك تركت كنة هي الأخت الفاضلة المتعلمة المثقفة التقية الورعة "أم ثابت"، والتي كانت لك بمثابة الابنة البارّة على مر السنين.

قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً).
الإسراء/23. وقال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير) لقمان/14.

فوداعا مرة أخرى، راجين المولى أن يرحمك ويغفر لك ويدخلك فسيح الجنان مع الصديقين والشهداء الأبرار، وأن يلهم أهلك وذويك جميعهم الصبر والسلوان، وعظم الله أجركم جميعا أبناء العمومة الكرام، وإنا لله وإنا إليه راجعون.