إدارة أزمة إضراب المعلمين
تم تحديد موعد إضراب المعلمين ليكون بداية الفصل الثاني، وتم تأجيله إلى 20 آذار كبادرة حسن نية، ورغبة في التوصل إلى حل، وإعطاء فرصة للحكومة لتنفيذ وعودها في أقرار حقهم بنقابة مهنية تمثلهم، وانقضى شهر ونصف ولم تخرج الحكومة من خانة الحوارات وخض الماء بما يريح المعلمين ويطمئنهم إلى تحقيق مطلبهم الأهم المتمثل في النقابة، ووعدت الحكومة بتوجيه سؤال حول دستورية النقابة إلى المجلس العالي لتفسير الدستور، وحتى اللحظة –حسب علمي- لم يتم توجيه السؤال، وكأن صياغة السؤال تحتاج إلى كل هذه المدة الطويلة التي تجاوزت عشرة أيام، علماً أن لجنة مصرية عدلت مجموعة من المواد الدستورية الإشكالية خلال عشرة أيام، ولكن يبدو أن حكومتنا العتيدة بصدد اختراع المستحيل!
إن الحكومة بتلكئها هي من صنعت الأزمة، وأدت إلى إضراب المعلمين، وحدوث إرباك في العملية التعليمية، تتحمل الحكومة وحدها مسؤولية كل ذلك، لأن العاصفة عندما تشعرك بقدومها ولا تتخذ الاحتياطات اللازمة والإجراءات الضرورية تكون قد وضعت رأسك في الرمال، وأدرت ظهرك لعواقبها. وينطبق على حكومتنا المثل القائل: "يداك أوكتا وفوك نفخح"!
ومما يزيد الطين بلة التعامل الرسمي مع إضراب المعلمين، فقد خرج علينا وزير التربية بقوله "لا مبرر للاضراب" وحجته في ذلك أن الحكومة تبذل جهوداً نحو تحقيق مطالب المعلمين، في تكرار لم يعد مقبولاً لمعزوفة حكومية لم يعد يصدقها أحد، فالمعلمين يريدون أفعالاً لا أقوالاً، وحقائق لا وعوداً، يريدون طحناً لا جعجعة!
وبعض المسؤولين لا تخلو خطاباتهم وأقوالهم من تهم الأجندة الخاصة لبعض المطالبين بالنقابة، وكأنهم يتهمون جميع المعلمين المضربين بأنهم قطيع لا يعي ولا يفهم ولا يدرك، ولا يحكم عقله فيما يفعل، وأنه تبع لغيره، لا رأي له، وهذه لعمر الحق تهم لا تخلو من فجاجة، ولا تعبر إلا عن عقلية عفى عليها الزمن، وقد آن الأوان أن نتعامل مع الأزمات بما تستحقه من إجراءات حكيمة، وعقلية ديمقراطية مرنة، ورحابة صدر، وتعزيز القيم الإنسانية، والاحترام المطلوب للجميع، بعيداً عن سطوة السلطة، وهالة الرئيس والمرؤوس!
وتأتي مسألة أن المطالبين بالنقابة مسيسون، لتؤكد على انفصام بائس لهؤلاء، فالسياسة ليست تهمة وليست عيباً، وقد دعى ملك البلاد مراراً وتكراراً للانخراط في الأحزاب وممارسة الحياة الحزبية. أما الخوف من غلبة تيار سياسي محدد على النقابة، فهو يعبر عن سذاجة سياسية وقصور في الوعي كذبته الثورات الشعبية في كل من تونس ومصر وبقية الدول التي تشهد انتفاضات شعبية، فالثورات شعبية مطلبية لا يستطيع أن يحتكرها تيار معين، أو ينسبها لنفسه، فقد انتهى عصر التخويف من الإسلاميين، وجعلهم بعبعاً لتخويف الناس، وإجبارهم للتنازل عن حقوقهم بحجة هيمنة الإسلاميين. ويدرك المتابعون أن لا تيار محدداً قادر على السيطرة على نقابة المعلمين. ثم إذا كنا نؤمن بالديمقراطية ومبدأ تداول السلطة في مؤسسات المجتمع المدني، فما المانع أن يفوز بها تيار ما إن كان يعمل وفق القانون، وبتوافق الجميع وقبولهم بالنتيجة؟
ومن أخطر الألاعيب التي يتذرع بها البعض عندما يربطون بين إضراب المعلمين وأمن الأردن، في تأليب واضح ومكشوف على المعلمين، وكأن أمن الأردن هش إلى درجة أن يؤثر عليه إضراب لقطاع من الموظفين، وهو تأليب لا يخلو من اتهام مبطن للمعلمين أنهم يسعون لزعزعة أمن الأردن واستقراره، ويتناسى هؤلاء أن المعلم أحرص الناس على أمن الأردن، وهم من يعلم الناس أهمية الأمن والمحافظة على الأمن، وأن أمن الأردن والمحافظة عليه عبادة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى، وأن المعلمين كل المعلمين فداء للأردن وأمنه، ولا يمكن أن يسمحوا لأحد أن يمس أمن الأردن من قريب أو بعيد، وأن من يربطون بين إضراب المعلمين وأمن الأردن، هم من يهددون أمن الأردن بهذه التصريحات المشككة، التي لا تدرك أبعاد ما تقول!
قد لا يحظى إضراب المعلمين برضى الجميع، لكن يجب أن نعترف بحقهم في التعبير عن رأيهم ومطالبهم بكل الوسائل السلمية المتاحة، هذا الحق الذي أكدت عليه كل الأعراف الدولية، وعززته أقوال وخطابات ملك البلاد ودعوته إلى إعطاء المواطنين الحرية التي سقفها السماء، وتأكيده أن الأردنيين أحرار من أرحام حرة أبية!
النقابة حلم كل معلم ومعلمة، يراودهم في كل لحظة، نقابة تعيد لهم مكانتهم التي ضيعتها تشريعات تربوية قاصرة، وقضت عليها ممارسات حكومية جعلتهم يعيشون كفافاً. نقابة تدافع عنهم، وتقف خلفهم بعد أن خذلهم الجميع، وتخلت عنهم وزارتهم، وسمحت أن يقفوا خلف القضبان مع المجرمين بسبب شكوى طالب مفتراة وتهمة ملفقة. نقابة تطورهم وتنميهم مهنياً بعد أن باعتهم وزارتهم للشركات الخاصة تدربهم وتجرب فيهم برامجها. نقابة تجمع شتاتهم وتوحد كلمتهم بعد أن استفرد بهم الجميع، في عصر لا يعترف بغير الأقوياء الموحدين. نقابة تشعرهم بكيانهم ووجودهم بعد أن استخفت بهم وزارتهم، وأصبحوا غرباء حتى وهم يراجعون مديرتهم لمعاملة أو سؤال. نقابة توفر لهم حراكاً ونشاطاً وتفاعلاً مع بعضهم البعض بعد أن كادوا يموتون جموداً وتحجراً خلف مناهج محشوة، وكتب مكدسة، وواجبات مرهقة. نقابة حلم، فلا تقتلوا هذا الحلم الجميل، ولا تطمسوا الأمل، ولا تميتوا البسمة على الشفاه التي تشققت يباساً!
النقابة حق، والتعبير عن الحق حق، والمماطلة لا تخدم أحداً، وقد تكفل المعلمون بتعويض الطلبة عما فاتهم من حصص، فهم الأحرص على مصلحة الطلبة، وهم الجنود المجهولون، وهم المخلصون الصادقون، وهم المؤتمنون على المستقبل، وهم ورثة الأنبياء، وحملة الرسالة. والكرة في ملعب الحكومة، وعليها أن تسارع بالإعلان عن الموافقة على مطلب النقابة، ولا تتذرع بموافقة المجلس العالي لتفسير الدستور، الذي يمكن أن يجتمع فوراً ويقرر. وإلى حين صدور قرار واضح من المهم أن تتبع الحكومة قول الرسول الهاشمي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، ولا تسمح للبعض أن يزيدوا الطين بلة بتصريحات مسيئة، واتهامات مؤذية، ومحاولات ومببرات ساذجة لوقف الاضراب.
ويؤكد المعلمون بإضرابهم، أنهم يضربون بنفس وروح قيادتهم الهاشمية الحكيمة التي زرعت فيهم العزة والإباء، وعدم التنازل عن حقوقهم، وأنهم أحرار من نسل أحرار في بلد الأحرار، وأن ملك البلاد عبدالله الثاني ابن الحسين وفقه الله إلى كل خير يحكم شعباً من السادة لا قطيعاً من العبيد!
mosa2x@yahoo.com