المؤامرة .... بريئة

 

يعج الإعلام العربي بكل اشكالة بعدد كبير من الرسمين والمحللين السياسيين والاعلامين لتحليل وفكفكة أسرار وأسباب الثورات الشعبية المندلعة في عدد من الدول العربية , والتي استطاعت إسقاط النظام التونسي والمصري على التوالي وكذلك النظام اليمني والليبي التي هي  قيد الإسقاط , فريق من هؤلاء ومنهم زعماء عرب  ورسمين ومحللين سياسيين يرى في هذه الثورات (مؤامرة) امبريالية صهيونية للقضاء على النظام العربي المجاهد الصامد في وجه القوى الاستعمارية ,  وتعود أسباب دخول نظرية المؤامرة إلى قاموس السياسة العربية إلى ما مرت به الشعوب العربية عبر تاريخها الطويل بعديد من الحروب والثورات والانقلابات والتدخلات الدولية من قبل الدول الامبريالية الاستعمارية وما أسفرت عنة تلك الأحداث والتدخلات من استعمار و تقسيم وتفتيت ونهب خيرات هذا  الوطن الكبير وتجهيل وإفقار واستعباد لأبنائه وما تم اكتشافه لاحقا من قبل أبناء هذه الشعوب بان جميع تلك الأحداث بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ما هي إلا مؤامرات استعمارية ممنهجة ومعدة سلفا للسيطرة على هذا الجزء المهم والحيوي من العالم .

 

 في ضوء جسامة وفداحة نتائج تلك المؤامرات المتكررة فانه ترسخ لدى المواطن العربي شعور بالظلم والقهر وعدم الثقة بأي حركة داخلية أو أي  تحرك خارجي وبات ينظر إلى أي حدث أو تحرك بعين الريبة والشك والشبهة والمؤامرة  حتى لو كان هذا التحرك لأسباب داخلية أو دوافع إنسانية فان هاجس المؤامرة لا يفارق مخيلته حتى أصبحت جزء من ثقافتنا وموروثنا السياسي .

 

ومع مرور الزمن أصبحت نظرية المؤامرة جزء لا يتجزأ من الخطاب السياسي العربي الرسمي والشعبي بل أنها أصبحت اقصر وأسهل الطرق لتفسير وتحليل  الأحداث الداخلية أو الدولية تجاه منطقتنا , وهو ما بدا واضحا في تفسير وتحليل كثير من الرسمين والسياسيين والاعلامين العرب للثورات الشعبية في عدد من الدول العربية بأنها مؤامرة امبريالية صهيونية .

 

في المقابل فان فريق آخر من المحللين والسياسيين يرى أن هذه الثورات جاءت رد على الظلم والاستبداد والفقر والجوع الذي تتعرض له هذه الشعوب من قبل أنظمتها الدكتاتورية المستبدة وليس هناك أية  مؤامرة دولية ويعلل ذلك بان هذه الثورات الشعبية بدأت سلميه بمطالب معيشية حركها الفقر والجوع والاستبداد والفساد وان معظم المشاركين فيها غير مسيسين أو مؤد لجين أو حزبين ولا يوجد لهم أية صلات خارجية ويرفضون أي تدخل خارجي  وانتشرت من مدينة إلى أخرى بسرعة كبيرة لعدالة مطالبها, كما أن الدول الكبرى المتهمة بالمؤامرة تفاجأت بهذه الثورات وبتوقيتها وقوتها مما أدى لتخبطها وارتباكها في تحديد الموقف منها (فرنسا تجاه تونس وأمريكا تجاه مصر ) , أما بالنسبة لادعاء بعض زعماء العرب ( الليبي واليمني) أن هذه الثورات مؤامرة أمريكية صهيونية فأنه ادعاء كاذب وساذج كما يعتقد كثير من المحللين لان أمريكا نفسها تعترف بأنه لن يأتي أفضل من هذه الأنظمة لتامين مصالحا الإستراتيجية المتمثلة بأمن إسرائيل وتامين وصول إمدادات النفط للغرب كما أن هذه الأنظمة وباعترافها تتعاون مع أمريكا لمكافحة الإرهاب وتحافظ على امن إسرائيل,  وأن ادعاء المؤامرة هي محاولة بائسة لهذه الأنظمة لاستدرار عطف الشارع العربي في محاولة أخيرة للتشبث بالكرسي والسلطة  .