الحريات العامة في الأردن: إشكاليات ومفارقات

أخبار البلد  - د. عيدة المطلق

تعرض الأردنيون في الأونة الأخيرة لانتهاكات عديدة لحقوق الإنسان.. كما تعرضت حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية لانتهاكات فظيعة تكشفها بلوغ معدلات الفقر والبطالة والغلاء مستويات قياسية.. فضلا عما استجرته من تفكك المنظومة الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع.
كما تعرضت حقوق الأردنيين السياسية وحرياتهم العامة للانتهاك والتقييد غير المبرر تجلت في حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات إسلامية وحراكية، كما طالت مهنيين وعماليين وناشطين.. وجهت لهم جميعا تهم وفق قانون منع الإرهاب.
كما تجلت هذه الانتهاكات في تكميم الأفواه والنيل من حرية التعبير وملاحقة للصحفيين والتضييق عليهم حتى بلغت ملاحقة منشورات عدد من المعارضين على "فيسبوك” وتويتر.
لقد شهد عام 2014 (حتى تشرين الأول منه) ما مجموعه (153) انتهاكا طالت 33 صحفيا، تنوعت بين المنع من التغطية، وحجب المعلومات، والاعتداء على أدوات العمل، والتهديد بالإيذاء، والمضايقة، والاعتداء الجسدي، والمنع من النشر، والرقابة المسبقة. (تقرير غدير السعدي؛ عمون: 6/1/2014).
وتصف «جمانة غنيمات» (رئيسة تحرير الغد) حالة الحريات بأنها "الأسوأ في الأردن خاصة في ظل وجود قانون المطبوعات والنشر.. وقانون الارهاب الذي يستخدم اليوم ضد الصحفيين وحرية التعبير والتراجع فيها الى الخلف».
إن هذه الانتهاكات تكشف عن مفارقات في الحالة الأردنية منها أنه رغم اتساع نطاق الاعتقالات إلا أن الحكومة تنفي وجود معتقلين سياسيين بالأردن، وتصر على أن الاعتقال جاء على خلفية لمخالفتهم القانون. في حين أن التهم تتلخص بـ”مناهضة النظام الحكم» أو لهتاف أو لانتماء سياسي معين. (وجميعها سياسية).
ومن المفارقات أيضا أن الأردن أعلن قبوله خمس عشرة توصية من أصل ثماني عشرة توصية صدرت عن مجلس حقوق الإنسان (عقب الاستعراض الدوري الشامل لأوضاع حقوق الانسان في الأردن لعام 2013).. تتعلق جميعها بالحق في حرية الرأي والتعبير والاعلام والانترنت.. ومع ذلك لم نشهد توجها رسميا على المستوى التنفيذي لتعزيز هذه الحقوق والحريات.
كما أن من المفارقات الخطيرة في هذا المشهد الأردني أن الاعتقالات السياسية الأخيرة تمت بتحريض وتعاون من «المخابرات الإسرائيلية» (بحسب صحيفة معاريف: 8/12/2014). مما يؤكد عدم صحة ما يقال عن توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.. فالتعاون والتنسيق الاستخباري والأمني مع دولة الاحتلال قائم على قدم وساق!
إن عودة التعامل الأمني مع الناشطين وعرضهم على محاكم أمن الدولة أمر مقلق لما ينطوي عليه من خرق للدستور والقانون والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.. ولما فيه من ردة عن الإصلاح ووأد أي بارقة أمل عند الأردنيين بالتغيير والإصلاح.
لقد باتت القوانين السالبة للحريات الخطر الداهم على مكتسبات الأردنيين وحقوقهم الراسخة، وتلك خطئية حكومية بل سقطة ينبغي أن تتوقف.
على الحكومة –إن أرادت نزع فتيل التوتر والإحباط- أن تعمل على استعادة الثقة.. فمحاربة الإرهاب تتطلب معالجة المدخلات والأسباب وأهمها الفقر والبطالة والغلاء والفساد.. وغياب العدالة والديمقراطية.. وتكميم الأفواه وقمع الحريات كلها توفر البيئة الحاضنة للإرهاب وكلها تهدد وحدة المجتمع وأمنة وسلامته!
كما على الحكومة اعتماد سياسة رسمية ومعالجة قانونية واضحة لتعزيز المواطنة، واحترام حقوق الأردنيين.. وإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي لتعزيز الديمقراطية والحريات والمشاركة الشعبية في صنع القرار، وأن تتقبل التعدد والاختلاف.. فقد ولى زمن تكميم الأفواه وزمن الاعتقال بسبب رأي!