أنا و«القطة العمياء»


 

أمشي منتصف الليل وحيداً إلا من الوحدة.. قطة (عمياء) تمشي بتخبط لا متناهٍ أمامي، تتعثر بحجر تارة، وبنفسها تارةأخرى..! كم صعب عليك أن ترى حزناً عميقاً في عيون (قطة عمياء)، كم صعب عليك أن تسمع صوتها الحزين الذي يوحي بكلمات (أدخلوني إلى الجنة الضائعة مني، أرجوكم أدخلوني)..
آه على حزنكِ يا قطتي الجميلة.. فـ «قبل أن تولد الفيزياء والبسيكولوجيا بكثير، كان الألم يفتت المادة وكان الحزن يفتت الروح».. هكذا قال (إميل سيوران) ذات يوم..
أعلم كم روحكِ مفتتة، أعلم مدى الوجع الذي تحملينه..
وكأني أسمعكِ تهمسين لأمكِ: (يا أمي ما شكل السماء..؟ هل هذه الدنيا ظلامٌ في ظلامٍ مستمر..؟)
أين أمكِ عنك يا حبيبتي..؟ فـ الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن.. والرجاء في اليأس.. والقوة في الضعف.. أين هي عنكِ يا قلبي..؟!
بيدي قارورة ماء، أشربتها منها.. وجلسنا على الرصيف أنا وهي.. صمتنا، نظرت لها، وجدتها في حالة ضياع..
قلت لها: حزين أنا عليكِ.. فرح لاجلكِ..! حزين لأني لا أراك تنظرين إلي وأنا أحدثكِ.. لأن علاقتنا لم تر النور.. الله يلطف بكِ ويصرِفُ ما تقاسين من كدر.. الله يلطف بي أيضاً (فليست حالي بافضل من حالكِ.. فقلبي مثل قلبكِ يا قلبي)..
فرح لأنكِ لا تشاهدين وحشيتنا نحن البشر، جشعنا، تطرفنا.. نحن أهل الشرق الأوسط.. فرح لانكِ لا تشاهدين مناظر الدمار والخراب التي تُبث من دول الجوار.. فرح لأنكِ لا ترين جنوننا (كم جميل أن تعيش أعمى في منطقة مجانين، كي لا ترى أفعالهم، لكن الأجمل، لو أنك كنت أصماً أيضاً، كي لا تسمع الأخبار القادمة من هنا وهناك.. فهي لا تسر بكل تفاصيلها)..
كم أحسدك على هذا العمى يا حبيبتي.. كم هي جميلة عيناكِ.. وهما لا تبصران وجع الشرق الأوسط..
تبقى فكرة الحديث..
يا قطتي الأنيقة..
(أحيانا، عندما أنظر لما يحدث في الشرق الأوسط،
أتمنى لو أن سفينة نوح لم تقلع.. أتمنى لو أن الحياة تتوقف)..