جامعاتنا الأردنية وجلد الذات
خلال عملي الصحفي تلقيت عددا من الدورات في فنون الكتابة الصحفية على ايدي خبراء اجانب، منها ما يتعلق بصناعة الخبر الثقافي لمدربة فرنسية، واخرى حول الخبر الاقتصادي، لصحفي الماني، وثالثة تتعلق بالصحافة الاستقصائية لصحفي فرنسي واخر بريطاني، وعندما وجدت عند هؤلاء المدربين الاجانب تناقضا بمعلوماتهم واخطاء في ما يقدمونه من معرفة. وجهت لاحدهم سؤالا يتعلق بالفروق الجوهرية بين الخبر والتقريرالصحفي، فاجاب بكل سذاجة التقرير هو خبر طويل والخبر قصير.
ولمست من خلال ما قدم في هذه الدورات من معلومات وحقائق انها كانت تتسم بالسطحية، والضعف، وبعيدة عن كل الاسس والمبادىء العلمية والمهنية لهذه الفنون. فهمست باذن زميلي الدكتور حسن محاسنة ربما انهم قادمون وعندهم تصور بان الصحفيين الاردنيين جهلة فيقدموا معلومات فجة وسطحية لا معنى لها في فنون الكتابة الصحفية، أو ان هذا كل ما لديهم من معرفة.
لكنني توصلت الى الحقيقة المدهشة بانه فعلا هذا كل ما لديهم من معرفة ومهنية، وبأن الصحفيين الاردنيين، لا يختلفون في كثير من المهارات الصحفية والقدرات الابداعية عن غيرهم من الاعاجم بل وجدتهم الافضل.
وارى ان ثمة عقدة النقص تسود مجتمعنا العربي، أمام الانسان «الأجنبي»، والمنتج الاجنبي، والتعليم في الدول الغربية، وتمثل صورة ذهنية مكرسة لدينا، ان الاجنبي «المتطور والمتقدم والفاهم»، مقابل العربي المتأخر والمتخلّف.
وهذه الصورة للاسف الشديد عكستها وعزّزتها تشريعات وقوانين وتعليمات في جامعتنا الاردنية الرسمية، ويروج لها كثير من المثقفين، واصحاب القرار المتفرنجين الاردنيين والذين باعتقادي يتصفون بمهارة جلد الذات ويتفننون فيها ويستلذون في وضعها في اطار قانوني وتشريعي حتى امتد ذلك عند اختيار المسؤولين في الدولة.
ومما اثار استغرابي هو قانون وتعليمات التعيين والترقية في الجامعات الاردنية الذي يصنف خريجي الجامعات بثلاثة اصناف، الدرجة الأولى :خريجو الجامعات المرموقة (امريكيا، كندا، استراليا)،ويتم تعيينه مباشرة استاذا مساعدا، مهما كان مستوى هذا الخريج، ومهما كان مستوى جامعته، والجامعات الاردنية تصنف بالدرجة الثانية وخريجها يعين برتبة ادنى كمحاضر متفرغ حتى لو كان من المتميزين على مستوى العالم، وبذلك فان خريج الجامعات الرسمية نفسها سواء كانت الاردنية او اليرموك او غيرها، يصنف درجة ثانية، وتكون الاولوية في التعيين على الاطلاق للجامعات المرموقة من امريكا والدول الغربية، وهناك توجه عام غير مكتوب بان لا يتم تعيين خريجي الجامعات الاردنية الرسمية من حملة الدكتوراه اذا كان له بديل من الجامعات الاجنبية او خريج بعض الدول العربية.
وهذا يجسد ويعكس عقدة النقص التي تم اقرارها على شكل نظام وقانون الجامعات الرسمية ويؤكد ان كل ما يأتينا من الغرب يجب ان يكون مميزا ومرموقا.
ونقول لهذه النخبة المثقفة الذين يستمرئون جلد الذات بان هذا النهج يعكس انهزامية في التفكير ويضعنا في اخر سلم الدرجات، ولا بد من تدخل مجالس الامناء في الجامعات الاردنية، ووزارة التعليم العالي لتصحيح هذا النهج واعادة النظر في كل التشريعات الخاصة بالتعيين في الجامعات الاردنية للاردنيين، واحلال الكفاءات الاردنية بدل الاجنبية.
كما نحذر من استمرار هذا الواقع المؤلم، لانه يشكل خطرا شديدا على مستقبل التعليم في اوله انعكاسات مدمرة لسمعة التعليم العالي، ويساهم في نشر حالة من اليأس والاحباط لدى الشباب الاردنيين ويفقدهم الامل بالابداع والتميز.
واقول لجلادي الذات من اصحاب القرار بان سياساتهم الطاردة للكفاءات الاكاديمية الاردنية الى خارج الاردن واحلال الكوادر الاجنبية سيكون له آثار سلبية على مستقبل هذا الوطن ومستقبل ابنائه، وانصحهم بتغيير هذا النهج، ومراجعة كل التعليمات والقوانين التي كرسوها لتكون جاذبة للكفاءات الاكاديمية الوطنية لا طاردة له، وهي كوادر اكاديمية يشهد لها بالكفاءة والاحتراف والمعرفة والمهنية والاقتدار في العالم العربي والاجنبي.