إحتمالات وآمال !
القراءة الموضوعية في المرحلة الراهنة التي تمر بها المنطقة، ونحن في وسطها، تدفعنا إلى توقع الأسوأ، فمعظم ما يجري منفلت من عقاله، متدحرج نحو منحدر وادٍ سحيق، لا يقابله رد فعل يوازي خطره الذي صار بحجم ما استولت عليه « داعش » من أراضي سوريا والعراق، ولا مبادرات تقنعنا بوجود فرصة لاستعادة العقل الجماعي القادر على وضع حد لهذه المرحلة « غير المسبوقة » في التاريخ العربي الحديث.
طبيعة المشكلة تقتضي إجراءات عاجلة لمواجهتها، كي لا تستعصي على الحل في أمد قريب، وما نشهده من جهود غير واضحة المعالم يدل على أن التعامل مع المشكلة، يقوم على خطة بعيدة المدى، دون حساب المفاجآت أو التطورات غير المحسوبة، والتي قد تنشأ عندما يتحول الصراع إلى مسألة حياة أو موت بالنسبة لمختلف الأطراف، ولا يمكن غض النظر عن أزمة عالمية آخذة في التنامي بين روسيا من ناحية والعالم الغربي من ناحية ثانية، ولا الأبعاد الخطيرة لما يجري في أسواق النفط والذهب والمال.
الاحتمالات كلها تبعث على الحذر، ولكن الآمال أيضا ممكنة ومشروعة، عندما ننظر إلى دول استطاعت الحفاظ على سلامتها رغم كل شيء، وليس من قبيل الصدفة أن يعطي الأردن مثلاً حياً على قدرة الدول التي تحافظ على عقلها طوال الوقت، على تخطي الأزمات والتعامل مع الأمر الواقع على أنه قابل للتغيير.
لقد دعونا دائماً إلى أهمية البحث عن عناصر قوتنا، لكن هناك في المقابل من يحب أن يبحث عن نقاط الضعف، بل ويعظمها من منطلق الحرص على سلامة الدولة، ولست انتقد ذلك، بقدر ما أحذر من خطورة ترسيخ ثقافة الريبة والشك والتذمر، بدل التأسيس لنوع من التفكير الاستراتيجي، والتحليل الموضوعي لعناصر القوة والضعف، وتفتيت المشكلة ليسهل فهمها وحلها !
اليوم نحن نعيش في عالم يموج بالمشاكل الخطيرة، والاحتمالات السيئة، ولكن أهم ما يعنينا هو كيفية الحفاظ على سلامة الدولة التي لا يمكن أن تعزل نفسها عن كل ما يجري من حولها على المستويين الإقليمي والدولي، ولكنها تستطيع صيانة قدراتها، وتستطيع تهيئة نفسها لمواجهة كل الاحتمالات، ما دامت تحكم العقل والمنطق في تحليل الموقف الراهن، وتعرف كيف تدير علاقاتها الخارجية، وشؤونها الداخلية بحكمة واقتدار، والأهم من ذلك خلق التوازن بين الاحتمالات والآمال، والتمييز بين الماء والسراب !
yacoub@meuco.jo