حين تتغير المواقف بتغير المواقع
الدكتور خالد الكلالدة، وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، جمعني وإياه اجتماعات عديدة في الجبهة الوطنيّة للإصلاح، كما جمعتنا ندوة سياسية على شاشة التلفزيون الأردنيّ، ولقاءات سياسية في مقر حزب جبهة العمل الإسلاميّ ورئاسة الوزراء، ولقاءات كثيرة في مناسبات سياسية واجتماعية لم ألمس فيها تباينات واسعة بيننا في الرؤى السياسية.
الدكتور خالد الكلالدة فاجأني، وأظنّ أنّه فاجأ الكثيرين مثلي لدى مشاركته في إحدى المناظرات العربية مع الباحث حسن أبو هنية، والمفاجأة جاءت من ناحيتين: أولاهما حين تعرّض لإيقاف عدد من الخطباء والأئمّة عن القيام بواجبهم في الوعظ والتوجيه حيث قال:( تم إيقاف سبعة وعشرين إماما وخطيبا عن العمل بسبب دعوتهم العلانية للفكر الإرهابيّ، والانضمام الى جماعات تكفيريّة من خلال المنابر)! ولمّا كنت أحد هؤلاء الخطباء المعنيين، الذين اضطلعوا بمهمة الخطابة منذ عام 1970 ولم أتوقف عنها إلا بعد توقيع معاهدة وادي عربة، والتزمت خلالها بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم تسجّل عليّ واقعة واحدة تخالف قانون الوعظ والإرشاد، ولم يعهد في خطابي ومسلكي توجه نحو الفكر التكفيري أو تبنّيه من خلال المنبر المسجدي أو خلافه، انطلاقا من رؤيتي الإسلامية المستندة الى الاعتدال والوسطية، فإنّي استهجن هذا التعميم الذي أطلقه السيد الوزير، والذي لا يستند فيه إلى أيّ دليل، والذي يشكّل تهمة لي تستحق المساءلة القانونية. وثانيتهما حين أطلق الكلام على عواهنه في انتقاده لجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية جبهة العمل الإسلامي بسبب عدم اشتراكهما في عضوية لجنة الحوار الوطني قائلا: (لا يوجد دولة فتحت أبواب الحوار كالأردن، لكنّ من فرّخ الإرهاب رفض الدخول في هذا الحوار، لأن فكره إقصائيّ، لا يؤمن بالتشاركية)!! ولمّا كنت أحد أصحاب القرار الذين قرروا عدم المشاركة في هذه اللجنة، فمن حقي أن أسأل معالي الوزير: هل المشاركة في هذه اللجنة هي معيار الإيمان بالتعدديّة والتشاركيّة، أم أنّ مسألة المشاركة والمقاطعة فعل سياسي، من حقّ أيّ حزب سياسي أن يمارسه إذا تعززت لديه القناعة بذلك من خلال مؤسساته الحزبية؟ إن مسألة المقاطعة ليست حالة فردية مارستها الحركة الإسلامية، بل هي حالة معهودة في أعرق الديموقراطيات في العالم. ومن حقّنا أن نتساءل عن مصير لجنة الحوار التي يعاب على الحركة الإسلامية عدم المشاركة فيها: أين هي مخرجات لجنة الحوار؟ وهل حظيت بالحدّ الأدنى من الاحترام، أم أنّها ضرب بها عرض الحائط شأن سائر اللجان التي استنفذت كثيرا من الجهد والمال ولكنّها انتهت إلى الإهمال؟ واختم بسؤال: هل الحركة الإسلامية ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي كانت تمارس الإقصاء والتفرّد حين انفتحت على التيّارات القوميّة واليساريّة والليبراليّة وأسّسوا معا الائتلاف النيابيّ الوحدويّ، وشكّلوا لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة الوطنيّة والجبهة الوطنية للإصلاح، واللجنة التنفيذيّة العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع ، دون أن تحرص على موقع الرئاسة، أو أمانة السر؟ كنت آمل من الدكتور الكلالدة ألا يطلق الكلام على عواهنه ويرمي الحركة الإسلامية بما ليس فيها، ويصطفّ إلى جانب خصوم الحركة الإسلاميّة والمحرّضين عليها والمتهمين لها بتفريخ الإرهاب في زمن الرّدة عن الربيع العربي.