تحت جنة قدميك!

 

 سيدة النساء.. أمي العظيمة..

هزي بيديك الوادعتين سرير روحي المتعبة..

هزيه، كي أحتفل بهذا اليوم الذي انتظرته بفارغ الصبر.. لكي أعبر لك عن حجم الحب الذي يختزنه قلبي تجاهك.. حب استنشقته وتعلمته من روحك العابقة بالعطاء..

 لكنني يا أمي في هذه اللحظة أشعر بتلعثم الكلمات على شفتي..

اللغة لا تسعفني، وأقف الآن مكتوفة اليدين، ومعقودة اللسان، وأنت التي منحتيني طيلة 29  عاما الحياة والدفء والفرح والحنان والأشواق التي لا تنتهي..

قدماكِ على تعبهما أمي، ما يزال العالم كله يمشي بأثرهما، وينتظر وصولك البطيء.. اليوم يا قمر ليلي ما نزالُ نهتدي بحكمتكِ ونواصل المشي على الطرق التي أنارتها خطواتكِ..

يا أمي..

أفنيت أيتها الجليلة والجميلة عمرك وحياتك وشبابك لكي تريني وإخوتي الأجمل، ولكي تفخري بنا، ونحن نكبر أمامك على حب جرعناه من قلبك.. وها نحن يا غاليتي ما نخيب ظنك، ولم يذهب تعبك علينا سدى..

في كل يوم أقبّل فيه يديك الدافئتين أشعر أنني منحت عمرا آخر بحبك ورضاك وحرصك عليّ. أشعر، وأنا أنحني، أمامك، أن عينيك تحرسانني.. وأن الأرض التي دست عليها يوما تدفع بي إلى الأمام..

لم أعد أستطيع التحرك يا أمي من دون دعواتك التي تنثرينها على قلبي مع إشراقة كل نهار جديد.. فهي حصني المنيع.. كبرت وأنا أسمعها منك ترددينها على مسامعي باستمرار: "قلبي وربي راضيانين عليك.. الله لا يضيعلك تعب وينورلك ايامك وطريقك ويرزقك ويعطيكِ لحتى يرضيكِ.. ويجعلك بكل خطوة سلامة وينصرك على مين يعاديكِ ويحبب خلقه فيكِ"..

يا أمي علمتيني وإخوتي الصمود والتماسك في وجه كل ما يعترض طريقنا، علمتينا كيف نكون يدا واحدة في مواجهة الزمان، وزرعت فينا اللهفة، بعضنا على بعض.. حتى صار كل منا يشعر بوجع الآخر أكثر مما يشعر هو بوجعه.. كنت تقولين لنا دائما "خليكم روح واحدة وقلب واحد واوعكم شي يفرق بينكم"..

ولأنني آخر (العنقود) كنت دائما أحظى بحصة مضاعفة من الدلال.. وها هي صغيرتك المدللة قد كبرت يا أمي، ولكنها ما تزال في نظرك الطفلة التي تعتنين بها أكثر مما تعتني هي بذاتها..

من غيرك يا حبيبتي يحميني كلما ضاقت الدنيا في عينيّ.. ومن غير حضنك الدافئ يشعرني دائما بأن الهم والألم والضيق مهما كبرت تظل صغيرة جدا بقربك..

ما أجمل خوفك عليّ الذي أراه في عينيك على مدار الدقيقة، وما أروع اللحظة التي أرمي فيها برأسي على حضنك الحنون لتبدئي بقراءة المعوذات، وأنت تعبثين بشعري وتمسحين على جبيني يا بوابة الحب والأمل..!

يا سيدة النساء.. يا من أشم رائحتها العطرة بين جدران المنزل وزواياه.. أنا معك أشعر أنني أملك الدنيا بما فيها.. وحينما أقبل يديك الطاهرتين أهرب من تعاسة اللحظة إلى زمن آخر من الطيبة والنقاء..

كنت أستغرب يا أمي دائما سرّ ابتسامتك العظيمة التي لا تفارق شفتيك، على الرغم من آلامك وتعبك وأمراض العصر التي غزت جسمك، لكنك ما اشتكيتِ يوما، كنتِ وما تزالين ترددين أمامنا "لما بشوف ولادي حواليّ بنسى كل تعب الدنيا وهمها.. أنا عايشة بس مشان أشوفكم مبسوطين وناجحين وحسكم عندي بالدنيا كلها".

يا حبيبتي "حسك" علينا أنت بالدنيا..ومهما فعلنا لن نستطيع أن نعوّضك عن يوم واحد منحتينا من خلاله عمرا بأكمله.. فلا شيء يليق ببهائك وقلبك الشاسع الأخضر..

والدتي الحبيبة: أهديك في هذا اليوم، وفي كل يوم، سائر باقات الحب والامتنان.. ويكفيني أنني ابنة لك وأكبر بكِ أيتها الأم العظيمة..

أمي: هزي بيديك الوادعتين سرير روحي المتعبة..

هزي بيديك الجنة، لأرى أنهارها تسيل من تحت قدميك!