كيف نوازن بين حرية التعبير وحقوق الآخرين؟
بعد هجوم الأخوين "كواشي" على أسبوعية "شارلي ابدو" الفرنسية الساخرة وقتلهم ثمانية صحافيين وشرطيين كانا يحرسان الصحيفة أحدهما مسلم، تجددت النقاشات حول متى يجب أن تتوقف حرية التعبير؟
تعتبر حرية التعبير وحرية الصحافة حقا من حقوق الانسان، كما أن الحق في الخصوصية والشرف والسمعة حق من حقوق الانسان أيضا. وقد تؤدي حرية التعبير وحرية الصحافة إلى قيام حالة من التنازع أو التزاحم مع حقوق أخرى، فعند تعارض مصلحتين يوازن القانون بين حقين; يهدر أحدهما صيانة للآخر أي للحق الأجدر بالرعاية.
وهناك المثال المشهور الذي طرحته المحكمة العليا الأميركية: هل تعتبر حرية تعبير أن يصرخ أحدهم في المسرح بوجود حريق – مع انه يعرف انه لا يوجد حريق- فيتدافع الناس إلى الخارج فيموت احدهم؟
من أهم المعايير الدولية التي توازن بين متى تبدأ حرية التعبير ومتى يجب ان تتوقف، ما جاء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (نشر في الجريدة الرسمية الاردنية بتاريخ 15 /6 /2006).
وتنص المادة 19 من العهد على أنه لكل انسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. وتستتبع ممارسة الحقوق السابقة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز اخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة ان تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الاخرين أو سمعتهم، ولحماية الامن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
كما يجب ان لا ننسى المادة 20 التي توجب أن تُحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
وهكذا يتضح أن حرية التعبير ليست مطلقة وأن هناك "واجبات ومسؤوليات خاصة" على بني البشر تجاه الآخرين وعلى ذلك يجوز فرض تقييدات على حرية التعبير بشرط اخضاعها لما يُعرف بالفحص الثلاثي الأجزاء Three part test المستخلص من نص المادة 19 من العهد والشبيهة إلى حد بعيد بنص المادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وكانت المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان توازن بين مبدأين متنافسين في المرحلة الأولى، ثم انتقلت إلى ان تقييد حرية التعبير يجب أن يكون ضمن أضيق التفسيرات.
كما يستخلص من المادة نفسها واجتهادات المحاكم الدولية أن التعبير الفني يتم التسماح معه أكثر من أشكال التعبير الأخرى.
وفي الوقت الذي ندعو فيه دائما إلى احترام حرية التعبير وحرية الصحافة فإننا وبالقوة نفسها ندعو إلى اقرار قوانين تعاقب على اية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
ومن المعروف تاريخيا ان التحريض على الكراهية القائم على التمييز بأنواعه قد يكون مقدمة لتبرير العنف ضد فئة معينة من السكان وقد يشكل جريمة ضد الانسانية التي أصبحت تخضع للمحاكمة لدى المحكمة الجنائية الدولية اذا فشلت الدولة في محاكمة مرتكبيها أو تحايلت لتبرئتهم.
وهناك قرارات للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، والمحكمة الجنائية الخاصة بيوغسلافيا سابقا توضح معنى ذلك. ولنا ان نفخر ان القاضية الاردنية تغريد حكمت ساهمت بصياغة مثل هذه القرارات في الدائرة الثانية لمحكمة رواندا.
والخلاصة هي؛ ان هناك "واجبات ومسؤوليات" علينا جميعنا بعدم استخدام أية حرية أو حق للفتك بحقوق وحريات الآخرين.
ومع أن الصحيفة الفرنسية تقول عن نفسها بأنها "صحيفة غير مسؤولة" إلا أن الأمر لا يختلف كثيرا عمّا تنشره بعض المواقع الإخبارية بأنها غير مسؤولة عن تعليقات القراء.
وبالقوة نفسها التي ندين بها استهزاء الصحيفة عينها "بالاب والابن والروح القُدُس" لا يمكن تبرير هذا السلوك الاستفزازي بقيام الأخوين "كواشي" بقتل الصحافيين. فقد كادت الصحيفة نفسها أن تغلق أبوابها بسبب صعوبات مالية فجرى إنقاذها بما جرى حيث طبعت خمسة ملايين نسخة وانهالت عليها التبرعات.
وبالمسطرة نفسها لا يمكن تبرير قيام حكومات عربية وإسلامية – عن علم وإرادة – بسجن الصحافيين وجلدهم بتفسيرات متعسفة للدين والقانون.