العدو والصديق السيد إبراهام بورغ *

العدو والصديق السيد إبراهام بورغ *

تحية عربية إسلامية ، لك ولإسرتك ولما تُمثل .

أكتب إليك ، بعدما قرأت رسالتك المؤرخة يوم الجمعة 12/12/2014 والموجهة إلى " العرب في إسرائيل " ، قرأتها بإمعان ، وبتدقيق وبلهفة ، ذلك لأنني واحداً من الذين دفعوا ثمناً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، ولأكثر من مرة ، الأولى أنني ولدت في مخيم للاجئين الفلسطينيين في عمان ، من أبويين ينحدران من المكون الثالث من أبناء الشعب العربي الفلسطيني ، الذين هُجروا من فلسطين ، والدي من اللد والدتي من يافا ، وهذا يعني أنني ولدت من أبوين فلسطينيين ، وعشت الفقر لأن أسرتي لم تكن تملك أكثر من قوت يومها ، وكثيراً ما كنا نعتمد على إعانات وكالة الغوث الشهرية ، ودرست مجاناً في مدارسها وتعلمت الوطنية من تمازج العوامل الثلاثة أسرتي والمدرسة والمخيم الذي ترعرعت فيه وخاصة نادي شباب المخيم ، والذي سعيت وتطلعت نحوه ولخدمته حتى أصبحت رئيساً لهذا النادي في المخيم .

ودفعت الثمن حينما كبرت وإلتحقت بالجامعة ، بعد أن ، إنضممت لصفوف المقاومة الفلسطينة ، وقضيت من عمري أكثر من عشر سنوات في السجون والمعتقلات في أكثر من بلد عربي بسبب نشاطي السياسي في صفوف الثورة ، والمقاومة الفلسطينية ، وأخيراً دفعت ثمن خياراتي السياسية لتلبية دعوة غير رسمية من زملائي وأصدقائي ورفاقي أعضاء الكنيست العرب لزيارتهم ، بعد أن إلتقيت بعضهم على طاولة غداء الرئيس الراحل ياسر عرفات في رام الله برفقة زميلي عضو البرلمان الأردني النائب الشيخ الإسلامي محمد رأفت ، وكنا سوية بضيافة النواب العرب ، وتشاء أن نلتقي في مطعم الكنيست مع رئيسه دان ديخون ، وتم تسجيلنا من قبل خصوم الزيارة على أن زميلي وأنا أول برلمانيين أردنيين يزورون الكنيست الإسرائيلي ، وعليه تمت المطالبة بمقاطعتنا من قبل بعض الأحزاب والنقابات الأردنية ، ووضع إسمي على قائمة المطبعين مع الإسرائيليين ، ومنعت من دخول سوريا لهذا السبب ، وهذا ثمن باهظ دفعته ، في ضوء نتائج إتفاق وادي عربة الأردني الإسرائيلي ، وإتفاق أوسلو الفلسطيني الإسرائيلي .

ووجود المكون الثالث يعني وجود مكونين أخرين ، الأول أولئك الذين ما زالوا باقين على أرضهم ، ووطنهم في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، والثاني أبناء الضفة والقدس والقطاع ، وأنت وجهت رسالتك لأبناء المكون الأول " العرب في إسرائيل " وهذا يعني أنك كتبت وخاطبت جزءاً من شعبي ، وكانت رسالتك مؤثرة عليّ ، وعميقة في دلالادتها ، ومهمة في توقيتها ، ليس فقط ، لأنكم على أبواب إنتخابات الكنيست يوم 17/3/2015 ، والشواهد ظاهرة على قوة ونفوذ اليمين الإسرائيلي المتطرف ، ودفعه إسرائيل نحو الجموح والتعالي سواء بإتجاه تكريس العنصرية في إسرائيل ، ورفض الشراكة وعدم إحترام الشريك العربي الفلسطيني لليهود في المواطنة المتكافئة ، أو بإتجاه رفض إستحقاقات التسوية ، وعدم التوصل إلى حلول واقعية ، للصراع الفلسطيني الإسرائيلي .

ورسالتك مهمة ، لأهمية صاحبها ، وما جاء في مضمونها ، ولهذا أكتب إليك لأنني أومن بأهمية إنتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وهزيمة وتراجع المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وهذا لا يتم إلا بفعل العاملين الأساسيين وهما الشعب الفلسطيني والشعب الإسرائيلي ، فقد فشل كل منهما في رفض الأخر ، وفي رمي أحدهما للأخر نحو البحر أو للصحراء ، وفي إنهاء أحدهما للأخر على الأرض الواحدة التي يعيشان عليها ، وبات عليهما ، ولا حل أمامهما ، سوى العمل على أساس الشراكة ، والوصول إلى حل يقوم على إحدى الخيارين ، إما تقاسم الأرض بإقامة دولتان للشعبين وفق قرار التقسيم 181 ، أو تقاسم السلطة في إقامة دولة ديمقراطية واحدة ، للشعبين وللقوميتين ، متعددة الديانات ، وهذا لن يتم إلا بالشراكة والتفاهم والإحترام المتبادل ، ونموذجه ما يجري عندكم ، من شراكة القوي مع الضعيف ، كما يحصل لدى الأحزاب الصهيونية ، حيث يتم إلحاق بعض العرب الفلسطينيين من مسلمين أو مسيحيين أو دروز ، ويتم ترشيحهم لعضوية الكنيست ضمن قوائم الأحزاب الصهيونية ، بهدف كسب الأصوات ، وبهدف أخر لتغطية بشاعة الأفعال العنصرية ، وإظهار الشراكة العربية مع الأحزاب الصهيونية داخل البرلمان الإسرائيلي .

والنوذج الأخر هو الذي تقدمه منفردة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة فهي تتمسك بالشراكة العربية اليهودية الحقيقية والندية والقائمة حقاً على أساس المساواة ، بنفس القيمة التي تتمسك بحق الشعب العربي الفلسطيني في إقامة دولته على أساس قرارات الأمم المتحدة ، وعودة اللاجئين وإستعادة ممتلكاتهم وفق القرار الأممي 194 ، وهو توجه باتت تقبل به أو تتعامل معه باقي الكتل العربية كتلة الحركة الإسلامية وكتلة التجمع الوطني الديمقراطي ، من خلال الإتفاق الذي توصلت إليه بتشكيل قائمة موحدة ، فيما بينها ، رداً على محاولات إستئصالها برفع نسبة الحسم حيث ستضم القائمة الإئتلافية الموحدة ، شخصيات يهودية ، كما تفعل دائماً الجبهة الديمقراطية ، وبتقديري هذا رد تقدمي ديمقراطي على عنصرية اليمين الإسرائيلي المتطرف .

ولذلك بإنضمامك الشجاع لصفوف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، تكون قد قطعت نصف الشوط ، وصولاً إلى الشراكة الحقيقية الإسرائيلية الفلسطينية ، وتكون قد وضعت مدماكاً قوياً نظراً لمكانتك الرفيعة وتاريخك الواضح ، وبإنتقالك إلى الموقع الأصوب ، تكون قد وضعت مدماكاً قوياً ، وفتحت بوابة لكسب المزيد من الإنحيازات الإسرائيلية نحو شرعية المطالب الفلسطينية الثلاثة : المساواة في 48 ، والإستقلال في 67 ، والعودة للاجئين .

صحيح أنك لن تكون فلسطينياً ، ويجب أن لا تكون ، ويجب أن تبقى يهودياً إسرائيلياً ، ويجب أن تبقى وأن تكون ، وأن تحظى بإحترام وثقة شعبك ، فهذا هو المطلوب ، فالمطلوب الشراكة بين الطرفين ، بين الشعبين ، بين القوميتين والهويتين ، كي تصنعوا سوية على الأرض الواحدة ، ما تنادي به أنت ، وكما جاء في رسالتك :

- العمل ضد : التشريعات التمييزية ، وضد الخطاب العنصري ، وضد قوانين القومية المخزية ، وبالطبع ضد رفع نسبة الحسم .
- ومن أجل : المساواة والحقوق ، السلام والأمل ، التوزيع العادل للموارد ، ديمقراطية للجميع ، ومواطنة دون تمييز .

حان الوقت للعمل ، وبإنحيازك كعضو وشريك في صفوف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، تكون حقاً قد قطعت الخطوة الأولى الشجاعة في مسيرة الألف ميل ، ولكن مكانتك ونشاطك وخيارك الصائب سيختزل عوامل الزمن في قطع مسيرة الألف بوقت أقصر ، ولذلك يمكنني كمراقب ومدقق وداعم من الخارج ، يمكنني أن أقول أن مسيرتكم بل مسيرتنا المشتركة ، ستنتصر بل ولدي ثقة كبيرة أنها ستنتصر .

مع خالص الإحترام

حمادة فراعنة
نائب سابق في البرلمان الأردني
12/1/2015
h.faraneh@yahoo.com

* بعث السيد إبراهام بورغ رسالة مفتوحة للوسط العربي الفلسطيني في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، وها أنا أرد عليه ، وفق القيم العربية الإسلامية ، التي تدعو إلى أن من يلقي عليك التحية فالواجب أن نرد عليه بأحسن منها .