دور الجامعات في حل المشكلات

للجامعات وظيفة أساسية وهامّة في حل مشكلات المجتمع بكافة قطاعاته التعليمية والاقتصادية والخدميّة. وهي كما المشافي والعيادات الصحية للأفراد في توفير العناية الطبية وحل المشكلات المرضية، فإن الجامعات تتصدى لمواجهة كافة المشكلات المجتمعية.
وهذه الظاهرة ذات حضور بارز في جامعات الغرب، فكلّما أحس قطاع اقتصادي أو خدمي بمشكلة تعترض سبيلة أو عقدة تؤخر مسيرته في قطاع التنمية الشاملة، يسارع بعرض مشكلته على المكان المخوّل بتشخيصها وتحديد طبيعة المشكلة ووصف العلاج الناجح لها، وهي الجامعات بأقسامها التعليمية ومراكزها البحثية المتخصصة. فهي تعلم جيداً أن هذه المهمة على رأس أولوياتها ومن أهم وظائفها، فاستعدت لهذا الدور ووفرت كل مستلزمات النجاح فيه من باحثين ومتخصصين وما يلزم من وسائل وأدوات. هكذا تسير الحياة في الغرب، فالمجتمع مستفيد بسرعة ونجاعة حل مشكلاته والجامعة مستفيدة بما توفره لها هذه الوظيفة من مصدر دخل كفيل بحل مشكلاتها وضمان مواصلة الارتقاء بمستواها.
أما الأمر عندنا محلياً وإقليمياً فهذه الوظيفة لجامعاتنا معدومة وجامعاتنا غير مؤهلة لهذا الدور والمجتمع بقطاعاته المختلفة لا يعرف أصلاً أن هذه المهمة من اختصاص الجامعات لأنها لم يعهدها ولم يلمسها. ولا علاقة تكاملية بين الطرفين، فالمجتمع مشغول بهمومه ومشاكله المتفشّية والمعطلة لمسيرته، والجامعات جزر معزولة عن المجتمع بكل قضاياه ومشاكله.
لم نسمع يوما أن جهة ما حكومية أو أهلية تقدمت لجامعة من جامعاتنا تطلب وصفة لحل مشكلة لديها، والجامعات غير مؤهلة لهذه الوظيفة، فمهمة البحث ووظيفة الباحث غير معروفة أو متداولة في أروقة جامعاتنا والغالب هي صفة المدرّس الذي يُملي والطالب المتلقّي ويا ليتها أفلحت حتى في هذا الجانب الذي أغلقت نفسها حوله، فنتائج اختبارات خريجيها المتقدمين لشغل وظائف تعليمية يندى لها الجبين ولا تبشّر بخير ونسب النجاح في بعضها لا تزيد عن 2% مما يجعل خيار إغلاقها وتوفير مصروفاتها أولى وأجدى وأن يستبدل بها معاهد معلمين كما عرفنا في سابق عهدنا حيث كان خريجوها مفخرة في العطاء العلمي للأردن ومحيطه العربي.
ولا نسمع عن أخبار جامعاتنا إلاّ ممّا يتردد على ألسنة مسؤوليها من العويل والبكاء على نضوب ميزانياتها وندرة المال اللاّزم لصرف مرتبات كوادرها والتفنّن في اختراع أنواع من التعليم المصنّف حسب أجور ساعاتها لا حسب أنواعها ومضامينها.
وحتى ننصف جامعاتنا فإنها لديها ما تنفرد به دون غيرها من جامعات الدنيا وهي ما اصطلح عليه باسم(العنف الجامعي).
فلو أن جهة أو باحثاً خطر بباله أن يضع مؤلفاً أو ينشئ بحثاً بهذا العنوان، فلو طوّف جامعات العالم فلن يجد لمعلوماته مصدراً. أما عندنا فإن أرشيفات جامعاتنا، المترعة بالملفات المشتملة على كل ما بهذه الظاهرة من صلة، مفهوم العنف ومستوياته وعدد مرات تكرار حدوثه ونوعيات المشاركين فيه ومستوياتهم والأسباب الموجبة له وأنواعه وأساليبه وأنواع الأسلحة المستخدمة فيه والوسائل المتّخذة للتصدي له أو التخفيف من حدته والنتائج المترتبة عليه، وأنواع العقوبات التي فرضت على أطراف النزاع فيه وغيرها من الجوانب المتفرعة عن هذه الوظيفة التي انفردت بها جامعاتنا والتي أوشكت أن تصبح عنواناً لها.