جرعة تفاؤل بعيدا عن الجباية يا حكومة

لم تعد دفاعات رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور مقنعة في قضية رفع أسعار الكهرباء، وكلما توسّع في الحديث وقع في أخطاء كبيرة تحسب عليه، وكأنه فعلًا يؤكد نظرية الجِباية التي يتوجّع منها الاردنيون عندما يتحدثون عن نظرة الدولة لهم كمواطنين.

لا يمكن إيجاد أي تفسير منطقي لتصريح النسور أمام النواب في معرض محاولته إقناعهم للموافقة على رفع أسعار الكهرباء: إن "انخفاض أسعار النفط خسّرنا 160 مليون دينار ضريبة مبيعات"، لأن هذا الرقم إذا قورن بحجم الوفر على الخزينة من جراء تهاوي أسعار النفط لا يُذكر أبدًا، فكيف يريد النسور أن يتعاطف معه النواب والمواطنون لمجرّد خسارة على الورق.

نفهم أن تُطلَق هذه العبارة في جلسة مناقشة الموازنة كرقم منفرد، أمّا أن يشعر المواطن بأن المسؤول عن الولاية العامة للاردنيين يتحسّر على خسارة 160 مليون دينار ضريبة مبيعات، ولا يرفع معنويات الاردنيين بحجم الفائض الذي توفر من جراء هبوط أسعار النفط، وهو لا يمكن مقارنته بالخسارة الورقية، لأن هذا يضع عشرات الاسئلة على العقلية التي تدار بها العلاقة بين المواطن والدولة.

بكل الاحوال ليست العلاقة بين المواطن والدولة فقط جباية وضرائب، ولا يمكن ان تكون وكأنها مشاركة في مضاربة في البورصة؛ حول انخفاض الضرائب العامة كالمبيعات والخاصة كالاتصالات والجمارك، واذا أراد فعلا ان يتحدث الرئيس عن تصحيح خلل في معضلة أسعار الكهرباء، فعليه أن لا ينسى تصحيح الاعوجاج الاساسي في سحب يد الحكومة من موضوع تسعير مصادر الطاقة وفتح السوق للاستيراد وللبدائل البيئية.

لا احد في الاردن يؤمن حقا بأن طريقة تسعير المحروقات التي تقوم بها الحكومة شهريا، عادلة وتتناسب مع الانخفاض الذي يقع في اسعار النفط عالميا، فهي لا تخفض اسعار المحروقات بنسبة انخفاض سعر برميل النفط نفسها، ومن هنا اراهنكم على تسعيرة نهاية الشهر الحالي بانه لن يطرأ عليها خفض يذكر برغم تهاوي اسعار النفط الى 40 دولارا.

لا اعتقد ان ذكاء الرئيس يغلق عليه الحالة الصعبة التي يمر بها الاردنيون، الذين يضغطون على احوالهم المعيشية التي وصلت الى ما دون العظم، من اجل ابقاء حالة الامن والامان التي ينعمون بها فقط بعد ان شاهدوا ما حصل في دول الجوار، وهم يتحملون الاوضاع المالية الصعبة لما تبقى من مؤسساتهم وشركاتهم ومصانعهم، من اجل بقاء حالة السّلْم في البلاد.

لا يفكر رئيس الحكومة لحظة بان الالتزامات الجديدة التي حصلت على مناحي حياة الاردنيين كلها، من جراء الارتفاعات غير المعقولة في تكاليف متطلبات الحياة، تحتاج الى معالجة مشكلة الاجور في البلاد، التي لم يطرأ عليها تحسن منذ سنوات.

يحتاج الاردنيون فعلا الى دفعة قوية في المعنويات كي يشعر الجميع انهم شركاء في حالتي الرخاء والضنك، لا أن يدفع المواطن الغلبان الضريبة مرتين، ولا يشعر بلحظة اطمئنان على حياته وحياة ابنائه.

اذا كانت الدولة لا تستطيع تأمين وظائف في مؤسساتها، لجيش العاطلين من العمل، والقطاع الخاص في وضع لا يحتمل زيادة موازناته، فكيف تريد الحكومة من المواطنين ان يتحملوا اكثر واكثر؟.

تُراجع اي مسؤول في الدولة، او في القطاع الخاص، من اجل قضية ما، فيفاجئك قبل الحديث، اطْلب اي شيء سوى تأمين وظيفة لشاب او شابة، فكيف بالله عليكم تستقيم الاحوال، وسوق العمل مغلق، والبطالة في تزايد بغض النظر عن الارقام الوهمية في انخفاضها.

فقط يحتاج الاردنيون الى جرعة من التفاؤل، ومغادرة عقلية الجباية التي باتت تتقنها الحكومة ومؤسساتها.