أمي آخر الأشياء الجميلة في هذا العالم

  احتفل في عيد الأم تماما مثل عيدي الفطر والأضحى، واهتم كثيرا في هذا اليوم، واسعد في الليلة التي تسبقه، كليلة عيد جميلة، وأحمد الله أني احتفي بأمي لعام لجديد، وأنها ستكون حاضرة في يومها لأقبل يدها وأقول لها كل عام وأنت بألف خير .
بعيدا عن جميل الكلام وإنشائه، أريد أن أخرج اليوم ما بوجداني، مثلما انثر كلامي السياسي، أود الحديث عن عاطفتي الداخلية، فمع أني قفزت عن الثلاثين من عمري الذي لا يعلم نهايته سوى الله، إلا أني ما زلت متمتعا بعزوبيتي، والتي يراها غيري عذابا واراها نعيما.
    حياتي جافة جدا، منذ الظهيرة حينما استيقظ، حتى صلاة الفجر حيث اخلد لنومي، أعيش مع السياسية، عاجزا عن الهرب منها، مواجها الفضائيات وما تعرضه من سياسية عربية مقيتة، وحتى شحنات التوتر العالية التي نتلقاها عبر عملي في المواقع الإلكترونية، وبعض التفريغ بالكتابة . مواجهة عنيفة مع الحدث يتلقاها مواطن عربي شغل نفسه في بؤس السياسة.
 وقد أكون مقصرا جدا في الجلوس مع أمي ولكن رؤيتي لها أثناء عبوري الصالة، يعطيني أملا كبيرا، واشعر باستياء كبير، إن استيقظت، يوما ولم أجدها في البيت، وتخيفني ظلمة البيت إن غادرت ولم أراها، وقبل عدة أعوام توجهت هي إلى أداء مناسك العمرة، فشعرت بوحدة كبيرة، فاصررت على مرافقتها في رحلتها الثانية ، وقد لا اظهر هذا الشعور ولكنه حاضر معي.
 يتلسبني خوف كبير أن أكون في هذا العالم دون أبي وأمي، فما زلت اكرر أن الرجل طفل كبير، وأنكر مفهوم الذكورة بأنه مصدر دائم للعواطف ووهب الحب الذي لا ينتظره ، فهذا المخلوق أيضا بحاجة إلى حنين ، يمد عظمه القاسي، ببعض اللين، فكيف حينما يكون بلا زوجة أو أبناء؟ وحتى لو حصل الذكر على كل ما يحتاجه من عشق وصداقة وغرور نجاح في هذه الحياة فسيبقى طفلا يبحث عن أم يلجأ لها في آخر النهار.
أمي حقا هي آخر الأشياء الجميلة ولا أقولها عبثا، في زمن نتفق على انه لم يعد يعترف بالصداقة الحميمة، ولا بعلاقة حب ليست بسريعة البداية والنهاية، ومصالح تصنع بعض الود الواهي، وشقاء وشقيقات كل يبحث عن معاناته اليومية، ويبقى لك فقط أمك ووالديك، وكما قلت مهما كان الرجل قويا فسيبقى محتاجا لإنسان ،يجد من يهتم به حتى لو في مسالة طويلة فكيف حينما تكون بحجم عظمة الأم.
امي تتقن مراقبة التفاصيل في البيت، واجدها دوما تمسك بزمام ذاكرتها نحونا، فما أجمل أن تجد أمك محتارة في إعداد وجبة طعام تحبها، أو تتصل خصوصا، لتسأل هل تناولت طعام الغداء.... تفاصيل عابرة ولكنها مهمة جدا لرجل يجد انه روح وحضور وهناك من يهتم ببطنه الجائع، أو يبغاتك في وقت ليلي خارج البيت ليقول لك أين أنت ؟.
قبل ثلاثة أشهر ضاع راتبي ولا أريد القول بأنه سرق وكان معه مبلغا كبار سحبته من البنك لشراء شيء معين، لم أجد في هذا العالم، كله من يقول لي :ناقصك مصاري" سواها، فكانت أول وأخر من وضع إمامي مبلغا بالرغم أني دبرت نفسي ولكنها هي من دون البشر من رفضت أن يعيقني نقص مالي مع أن كل من حولي علم بذلك، فتخيلت بعدها من سيقف بجانبي لو مرضت أو تعبت أو ضاقت الدنيا .
أمي الحضور البهي كأزهار شجر لوز وهدوء غيمة صيفية، ورقة ضوئية كقوس قزح وبراءة ابتسامة طفل نائم، لا يدري بما يحلم، وحلم جميل اخشي أن استيقظ يوما واجده في ذاكرة النوم، فهي رائحة القهوة ونشوة تكبير العيد، وهي الملجأ الذي  ارتاح له لإخراج كلاما محشورا في صدري ، ورائحة طبخة مقلوبة اعتدت كل جمعة على تناولها من يدها ولا أحبها من غيرها.
أمي شكرا لك لأنك أبقيت لي شيئا جميلا في هذا العالم غير الجميل الذي أتمنى دوما أن ينصفني الله بمغادرته مبكرا ، فلا انتظر خبرا سيئا عبر فضائية إخبارية واهرب من شاشة الكومبيوتر وكتب التاريخ المزعجة، شكرا لأنك أضفت جمالا صنعته أناملك قد لا استحقه، شكرا لأنك الماضي والحاضر وأرجوك ألا تكوني يوما من ذلك الماضي ، فالحياة قاتمة إذا فقد آخر جمال لها.
Omar_shaheen78@yahoo.com