ليسوا سوى تصنيع أو تجميع إسرائيلي
"عندما كنت أعمل مديراً لشركة تجهيزات طبية، بعنا أجهزة تنظير طبية يابانية لأحد المستشفيات الكبرى في المملكة. وفي أحد الأيام، اتصل بنا المستشفى ليقول: إن جهاز الضوء البارد معطّل، وإن من الضروري الإسراع في صيانته لأن هناك حالات مرضية مستعجلة بحاجة إليه".
وأضاف محدثي: "وهكذا هرعنا إلى هناك وأحضرنا الجهاز إلى مقر الشركة. ولما فتحه الدكتور الماهر بقراءة نشرات الصيانة المرافقة اكتشفنا -ويا للهول- أن لمبة (مصباح) الجهاز صناعة إسرائيلية. وقد ارتعبنا من هذه المفاجأة في حينه بسبب المقاطعة وحالة الحرب مع إسرائيل، واحتججنا إلى الشركة اليابانية الصانعة على ذلك".
لعل مثل الرؤساء وأعضاء الكونغرس والإعلاميين.. الأميركيين، بعد الرئيس كيندي إلى اليوم، مثل هذه اللمبة أو "اللمظة" كما يقولون في بعض قرى فلسطين؛ فبعضهم تصنيع إسرائيلي، وبعضهم تجميع إسرائيلي ولا شيء غير ذلك. أما الدليل القاطع عليه، فحماسهم لإسرائيل أو استماتتهم في حمايتها والدفاع عن إرهابها، وإنكارهم حقوق الشعب الفلسطيني البريء الذي تضطهده إسرائيل على مدار الساعة منذ أنشئت إلى اليوم، وسعيهم وإياها لإبادته؛ بيولوجيا وجغرافياً وثقافياً.
عندما يدّعون أنهم صناعة أميركية وطنية بدلالات جوازات السفر ورخص السواقة، فاكشط العلب أو الكراتين المعبئين فيها -أي جلودهم- بشفرة فلسطينية، تجد أن اسم إسرائيل محفور تحته. وإلا كيف تفسر سكوت أوباما على إذلال نتنياهو له في مكتبه، لولا أن "هواة الحبيب زبيب وحجارته قطين"؟ وكذلك عدم حضور اجتماع ممثلي 126 دولة في جنيف في 17 /12 /2014، للتأكيد على قابلية تطبيق معاهدة جنيف على الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، والتصويت في اليوم نفسه في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع القرار العربي الذي يعيد التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ويدعو إلى إنهاء الاحتلال في موعد محدد، ووصف أميركا مشروع القرار بأنه "غير متوازن بشكل عميق، وغير بناء لاشتماله على مواعيد نهائية لا تأخذ بالاعتبار المخاوف الأمنية المشروعة لإسرائيل"، والضغط على الأعضاء للتصويت ضد مشروع القرار" (جيمس زغبي، "الغد" 16 /1 /2015)، وتهديد أميركا -إدارة وكونغرساً- السلطة الفلسطينية بقطع المساعدات المالية عنها إذا ما توجهت للمحكمة الجنائية الدولية، وبتعطيل الشكوى أو المحكمة نفسها أو كليهما، ما يبرهن ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وإلا ما تسببت محاولة الشكوى للمحكمة بهذا المس أو الجنون الأميركي-الإسرائيلي. لقد صلينا لهم وجعلنا واشنطن قبلتنا، ومع هذا لم يغفروا لنا. "حيرتينا يا قرعة من وين انبوسك"، فهل أميركا ولاية أم مستعمرة إسرائيلية؟! يبدو أنها كلاهما.
ومع أن إعلان جنيف ومشروع القرار العربي لا يعجبان مجمل الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، لأنهما يعترفان بإسرائيل كدولة احتلال مع أنها لم تكن موجودة أصلا لتحتل وتكون دولة مشروعة في الأساس، فإن الإعلان ومشروع القرار يعنيان التنازل التام عن الحق التاريخي في فلسطين 1948، إلا أن أميركا -مع ذلك- تستكثر على الفلسطينيين والعرب إعادة فلسطين 1967؛ أي 22 % منها فقط إليهم.
يجب على كل فلسطيني وعربي وإنسان شريف في هذا العالم، احتقار أولئك الساسة، لأنهم منزوعو الضمير والصدق والأخلاق جميعاً، ولعوامل شخصية لا مبدئية، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل؛ أي ليس إلا للوصول إلى السلطة في الإدارة أو الكونغرس، أو إلى الشهرة في الإعلام الصهيوني المهيمن، أو إلى الثروة، أو اليها جميعاً. إنهم في الأصل والفصل مهاجرون مرتزقة إلى بلاد الفرصة، وإن تظاهروا ليل نهار بالدفاع عن الحرية (الرأسمالية)، وتظاهر العالم -للأسف- بتصديقهم. ومن جهتي، فإنني أعتقد أنهم بحاجة إلى منتصر زيدي جديد يشجُّ رؤوسهم ليصحوا، لأن الكلام معهم لم يعد مجدياً. اللهم احمنا من أميركا. أما إسرائيل، فإن انتفاضة شاملة واحدة حاسمة كفيلة بتفكيكها.