إفلاس «الائتلاف» وتيه «الهيئة»!


 

في وقت يقترب فيه موعد انعقاد لقاء «موسكو» التشاوري، وبعد أن تم «إرجاء» لقاء «القاهرة» الذي كان سيجمع بين ائتلاف اسطنبول وهيئة التنسيق (معارضة الداخل) وبعض القوى الهامشية الاخرى الاسبوع المقبل، يبدو ان قوى المعارضات السورية وصلت الى طريق مسدود، بعد ان بان هزالها وانكشفت هشاشتها وفقدت رهط الداعمين والممولين والأصدقاء، وبات «تركي» على رأس الائتلاف (يحمل خالد خوجه الجنسية التركية منذ ربع قرن)، الذي تَفرّقت صفوفه ولم يعد يضم من الاسماء «اللامعة» التي جيء بها في وقت مبكر، كي تقود سوريا الجديدة (ظناً او وهماً منهم ان اسقاط النظام ودخول دمشق هي مجرد مسألة وقت لن تتعدى الاشهر الثلاثة وفي اقصاها نصف سنة بعد اذار 2011). مثل برهان غليون رئيساً لمجلس اسطنبول ولاحقاً احمد معاذ الخطيب لرئاسة الإئتلاف.
مناسبة هذا الكلام هي التوضيحات والتبريرات والاستطرادات بل هي الارتباكات والتلعثم وانعدام الثقة بالنفس، الذي اظهره الائتلاف وايضا هيئة التنسيق التي يرأسها حسن عبدالعظيم، والتي اثبتت - من اسف - مدى وعمق التيه والتخبط السياسي الذي تعيشه وبخاصة بعد ان اعلنت (الهيئة) يوم أمس انها تترك لأعضائها «حرية» المشاركة (او عدمها)، في اجتماع موسكو القريب، على نحو بدا وكأنها قد فقدت البوصلة، ليس فقط لانها اتكأت على ذريعة هابطة وهي ان موسكو «لم» تُوّجِه الدعوة لقوى التغيير الديمقراطي كـ(كتلة واحدة)، وانما وجهتها الى «بعض» مكوناتها، بل وايضاً لانها التقت في هذا التبرير غير المقنع وغير المنطقي، مع تُرّهات الائتلاف الذي قال العبارة نفسها لكنه (الائتلاف)، لم يترك للخمسة من اعضائه الذين وجهت موسكو الدعوة اليهم حرية الذهاب من عدمه، بل اعلن رفضه الحضور مستنداً الى اسباب متهافتة يعلم هو وأسياده، أنها لم تعد قابلة للصرف او التداول أو مجرد التفكير بها، بعد ان تجاوزتها الاحداث ووقائع الميدان السوري وخصوصاً بعد ان دخل «داعش» على الخط وغدا لاعباً رئيساً، ودائماً بعد ان لم يعد الائتلاف يُمثّل شيئاً أو أحداً في الداخل (كما كان على الدوام)، بل هو مجرد «كيان» من خشب تم تصنيعه ليكون حصان طروادة، كي تتمكن قوى الاستعمار الغربي وحكم العثمانيين الجدد في انقرة، من ابتلاع سوريا وتفكيكها ورهنها لمصالحهم الجيوسياسية والجيواستراتيجية على حد سواء.
يقول الائتلاف متذرعاً بعدم الحضور (بعد أن رحب بجهود موسكو لايجاد حل سياسي للازمة السورية): ان السبب الرئيس لمقاطعة المؤتمر هو «توقيته» الذي يتزامن مع انكباب قوى المعارضة على «توحيد» صفوفها، وانشغال «الائتلاف» بإعداد وثيقة سياسية للحل، سيسعى لأن تتوافق عليها كل مكونات المعارضة.
هذا كلام لا يمشي على احد، لأن «الانكباب» المزعوم لم يعد قائماً، والهوة ما تزال غير قابلة لِلجَسْر بين الائتلاف والهيئة، فضلاً عن ان فخامة رئيس الائتلاف خالد خوجه كان أعلن مباشرة بعد «فوزه» برئاسة الهيكل الفارغ المسمى «الائتلاف»: انه «لا يمكن الجلوس مع النظام على طاولة واحدة، الا في اطار عملية تفاوضية تحقق انتقالاً سلمياً للسلطة وتشكيلاً لهيئة انتقالية بصلاحيات كاملة»..
هكذا اذاً.. يريد المقاتل «التُرّكي» من اجل حرية سوريا، أن يعيد عقارب الساعة السورية والاقليمية والدولية الى الوراء، وكأن قواته على مشارف دمشق وان سلطته «الثورية» قد شملت غالبية البلاد السورية، وليس على النظام سوى توقيع صك الاستسلام ورفع الراية البيضاء وانتظار قادته لمصيرهم المحتوم على ايدي محاكم خالد خوجه العثمانية، وربما يُعلِق جثثهم في ميادين دمشق الفيحاء تماماً كما فعل جده جمال باشا السفاح قبل قرن كامل من الآن..
هنا ايضاً ارتكبت هيئة التنسيق خطأ فادحاً عندما لجأت الى عملية التلاعب بالالفاظ، مُحاوِلة إبعاد الانظار عن ترددها وارتباكها بل رعبها من التقدم خطوة شجاعة الى الامام، ترفض فيه وصاية الخارج وضغوط العواصم الاقليمية، وتتخلى عن مخاوفها وأحكامها المسبقة وخصوصاً مزايداتها التي ترتفع وتيرتها بين حين وآخر، ظناً منها انها «تُزاحم» الائتلاف على «مربعات» لم تعد موجودة، وعلى «حظوة» باتت من الماضي، وسراب خادع ابتلعه كثير من السوريين، صدّقوا وعود العواصم الاقليمية والدولية، وظنوا ان أنظمتها حريصة على «جلب» الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية للشعب السوري، فاذا بها لعبة خبيثة الاهداف والغايات والوسائل، لم يكن قصدها سوى تدمير سوريا وإلحاقها لخدمة مصالحهم وإبقائها رهن التبعية والوصاية وإراحة اسرائيل وشحن الغرائز المذهبية والطائفية والاثنية والعرقية بما يقود الى التفتيت والانكسارات..
فهل تتخلى «هيئة التنسيق» عن موقفها غير المقنع هذا، وتستدرك خطيئتها؟ ام تمضي في تيهها الذي سيقودها الى فقدان ما تبقى من صدقيتها.. واتزانها؟
.. الأيام ستروي.