حب الوطن والذود عنه
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ.
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا:
إذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا.
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا :
وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ.
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ :
وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ.
من قصيدة لامير الشعراء شوقي
مطلعها " سلام ارض اندلسٍ سلامُ"
فاذا تغني وتنشد للوطن فلمن اذا!
وقال الاخر :
وطني وهبتك باقتناعٍ مهجتي :
ودمي فدى ما عشت لا اترددُ.
لك في الجوانح نبع حبٍ دافقٍ :
في كل ثانية تمرُ يجددُ .
واليك اشعاري التي اشدو بها :
لحنا على مرِ الزمانِ يغردُ .
وطني وياحبي الكبير وياله :
حبا له فوق الثريا مقعدُ .
سيظل هذا الحب مشعل عزة :
يهب الضياء فنارُه المتوقدُ.
متوهجاً كالشمس لا يخبوله :
نورٌولا يَفنى ولا يَتبددُ.
إن أعز شي في حياة الاْنسان وأحبها إلى نفسه الوطن الذي ولد فيه ونال منه خيراته وذكرياته التي لا تنسى . وحب الوطن متجذر في القلوب والوجدان تجذر كيان ومصير فلا حياة كريمة ومستقرة بدون وطن ,وعندما تتعرض الاوطان للمخاطر تزداد الحاجة اليه وتلوح في الافق ضرورة الدفاع عنه.
وحين اُخرج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة تمثل حب الوطن فيه باعلى صوره يدل على ذلك قوله " والله انك لاحب البقاع الى نفسي ولو ان اهلي اخرجوني منك ما خرجت ." ثم ضرب الرسول الكريم اعظم الامثلة لبناء واسس الاوطان حين جعل من يثرب مدينة لكل من يحمل صفة الانسانية شرط ان يقبل بالتعايش مع المجتمع المدني في المدينة دون تمايز لجنس دون جنس او قبيلة دون قبيلة او دين دون دين ,وللاسف الشديد ان هذه الاسس العظيمة التي بنى عليها الرسول الكريم المجتمع المدني جعلها بعض المسلمين وثيقة مهادنة وموادعة لانها لم تميز المسلمين على غيرهم ـ فيا سبحان الله أيحيف رسول الله ويجور عن الصواب , ويهادن ؟ وهو الذي قال لعمه وهو في احلك الظروف التي تقنط اعظم الرجال "والله ياعم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر على يساري على أن اترك هذا الامر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه . وقد صح عن رسول الله وأصحابه أنهم كانوا يشتاقون إلى مكة، ولما قدم رسول الله المدينة ومعه أبو بكر وبلال، وأخبرت عائشة رسول الله فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة». متفق عليه.
كل ذلك له دلالة على تعلق الفطرة بالأوطان ومشروعية حبها وإصلاحها وبذل الغالي والنفيس لذلك وثوابه عند الله، وخطورة التخاذل في الذود والدفاع عنها أمر معلوم في الدين.
2ـ الذود عن الوطن .
إن تعزيز الانتماء للوطن له أهميته ودوره في استقلال وسيادة الوطن وتحقيق أمن واستقرار المجتمع، وتعميق القيم الأخلاقية ودورها في بناء المجتمع ونهضته، والدفاع عن الوطن وحمايته والحرص على الوحدة الوطنية والانتماء تجسد معنى القول بأن الدفاع عن الوطن عقيدة. إن الوطن كالسفينة التي يجب على الجميع الحفاظ عليها حتى تنجو وينجو معها أهلها ولو ترك من يعبث فيها لهلكت السفينة وهلك كل من فيها.ولنا عبرة في بلقيس حين قالت " ( قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ) .
إن الدفاع عن الوطن وحمايته من المخاطر جزء من الدين، فقد قرن الله تعالى بين الديار التي لا تنفك بحال عن الوطن والدين في قوله تعالى:
«لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم» فالوطن له أهميته في الدين.. كما قرن الله الاخراج من الوطن والقتل ممايدل على ان الخروج من الوطن قهرا لا يقل عن القتل في قوله تعالي: «ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم».
فاذا خسر الانسان وطنه فليس من السهل ان يلقى وطنا بدلا عنه أو أرضا بدلا عن ارضه أواهلا بدلا عن اهله أودارا بدلا عن داره .
من سيعطيك وطنا بدلا عن وطنك فاهمية الوطن كبيرة بل هي قضية مصيرية وامر اضطراري ليس بوسع الانسان الاستغناء عنه واعظم عقاب للانسان ان يعيش. مشردا بلاوطن ياويه وقد استشعرالانسان هذا منذ القدم فطرة انسانية فطرالله الانسان عليها . فاذاكانت الطير تحن لعشها والسباع تحن الى اوكارها وتذود عنها فما بالك بالانسان .
3 ـ دور الانبياء في حفظ اوطانهم .
وقد كان الوطن منذ القدم هو القضية الاولى لدى صناع القرار وصناع التاريخ من الأنبياء والمصلحين والفلاسفة والقادة ,
فالوطن قضية محورية ولها خصوصيتها , وبرغم اشتراك الانسانية في كثير من المصالح وحاجات الناس يعضهم لبعض ,الا انه لكل قوم وطن, وكانت القضية الاولى التي دعا اليها الانبياء صلوت الله عليهم هي الحقوق الطبيعية المشتركة بين المواطنين والتي في مقدمتها الامن " اي ضمان حقهم في الحياة بحيث يامن كل مواطن على حياته. وحقهم في الحرية وحقهم في بناء مجدهم وتحقيق سعادتهم بالطريقة التي يختارونها . فنوح دعا قومه الى هذه الحقوق قبل دعوتهم الى الدين فاذا كان الدين متروكا الى اختيار الفرد الحر فان الحقوق الطبيعية لا يمكن العيش بغيرها ولذلك فلا يمكن تركها للاختيار بل هي ملزمة للجميع ويحملون عليها ولو قهرا ومن هنا نشات فكرة الدولة . وقد حكى الله سبحانه وتعالى كثيرا من التجارب التاريخية للانبياء مع الامم البائدة وغيرها قال تعالى : "....." وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ
وقال تعالى :
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)
اما سيدنا ابراهيم عليه السلام فقد لجأ الى ربه العلي القدير أن يسهل وييسر لذريته وطنا آمنا ومستقرا فقال فيما حكى الله عنه : "رب اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة ربنا فاجعل أفئدةً من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات من امن منهم بالله واليوم الاخر .."
ودعا ربه ان يرسل اليهم رسولا منهم قال سبحانه " ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم اياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم .."
فحقق الله دعائه فكان محمدا صلى الله عليه وسلم هو دعوة ابينا ابراهيم .
وحين اخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من وطنه مكة ظلما لم يهدأ له بال حتى وعده الله بعودته الى وطنه فقال سبحانه وتعالى : ان الذي فرض عليك القران لرادك الى معاد .
4ـ فما الذي يهدد الاوطان ويعرضها للخطر ؟
الذي يهدد الاوطان ويعرضها للهلاك هو الفساد والظلم ,فلا نبيا من الانبياء الا ودعا قومه الى احترام حق التعايش وكانت اهم ثمرة للايمان ان يعيش المجتمع في سعادة واطمئنان قال سبحانه وتعالى :
"فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها الا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزيِ في الحياة الدنياومتعناهم الى حين .98 من سورة يونس وبدون الايمان التقوى وشيوع الفساد وطغيان الانانية والهيمنة تتحول الاوطان الى خراب ودمار ,فالمواطنة لا يمكن ان تتحقق بين ابناء الوطن الواحد الا ذا تنازل ابناء الوطن عن الهيمنة والانا نية مقابل المواطنة المتساوية . وحتى لا تقع هذه الامة بما وقعت فيها الامم السابقة اخبرنا الله التجارب المريرة من ذلك قوله تعالى
"وضرب الله مثلا قرية كانت ءامنةً مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان قكقرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوعِ والخوف بما كانوا يصنعون . ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون .113,114من سورة النحل
وقوله تعالى واذا اردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق علبها القول فدمرناها تدميرا "من سورة الاسرى
مالذي نطالب انفسنا به واياكم .؟
ـ1ـ ان يتنازل الفرقاء السياسيين عن هيمنتهم وانا نيتهم المفرطة مقابل المواطنة المتساوية.
2ـ ان نتعامل مع قضايا الوطن ونعالج مشاكله بالصدق والعدل فالله سبحانه يقول وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ,ولنعلم ان المزايدة والكذب لا تحل مشاكل بل ترحلها .
#3ـ معشر السادة الاعزاء ـ إن الوطن الذي يعيش فيه الإنسان يجب أن يعيش فيه بالحب والعمل والإنتاج والإصلاح حتى يعمره كما أمر الله ويجني ثمار تلك العمارة، قال تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب».
أما المفسدون الذين يفسدون الأوطان ويهلكون الحرث والنسل ويروعون الآمنين ويقتلون النفس التي حرم الله فقد غلظ الله عقابهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب شديد، ولو كان فاعل ذلك الفساد يفعله باسم الدين ويراه حسنا، فإنه ظالم لنفسه وللدين، ولو ادعى أنه يخدم الوطن بذلك، فإنه مفسد يسعى لحظ نفسه.
والواجب عدم الاعتداء على المنشآت ومؤسسات الدولة والمال العام، وقد ضل بعض الناس السبيل عندما اعتبروا أن هدم مؤسسات الدولة عبادة وثورة وضرب أمنها شهادة وهؤلاء أبعد ما يكونون عن الدين.
4 ـ إن حماية الوطن وتقديم مصلحته فوق كل مصلحة خاصة وهذا واجب على المجتمع كله.
5 ـ الدعاء للوطن يدل على الحرص على مصلحته والخوف عليه كما يبرهن صدق التقوى التي تدفع الفرد الى الحذر الشديد من الدخول في أي مغامرة قد تضر بمصلحة الوطن العلياء , فلقد دعا إبراهيم الخليل للوطن مكة فقال «رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات» وقد تركزت دعوة إبراهيم على طلب الأمن والرزق وذلك هو أساس ما يسمى الاستقرار والاقتصاد والتنمية في عصرنا.
ولقد دعا رسول الله للمدينة عن أبي هريرة أنه قال: «كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر». رواه مالك وغيره.
6 ـ إن زرع قيمة حب الوطن في نفوس الناشئة مطلب شرعي، يجب الحرص عليه وتعميمه من خلال وسائل الإعلام والتعليم والمساجد لتوعية أبناء الوطن بقيمة الوطن.
والواجب على الجميع السعي في الأرض والعمل والاجتهاد كل في مهنته أو موقعه فالفلاح في حقله والعامل في مصنعه والأستاذ في جامعته والمدرس في مدرسته وهكذا يتنافس الجميع ويتعاونون في البناء والإصلاح. فتحية من الاعماق لكل ال الساهرين على امن الوطن واستقراراوطانهم فتحية لهم من الاعماق ورحم الله الكوكبة الابرار الذين قضو نحبهم في مواقع الفداء والتضحية ومنابر الاوطان فهم الشعلة المضيئة حين تنوب الاوطان وتتكالب عليه المحن . اللهم ءامنا في اوطاننا واصلح ذات بيننا اللهم اجعل هذا البلد آمنارخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين . سبحان ربك رب العزة عما يصفون .وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين ..