انصهار الهوية الفرعية بالوطنية تمنع التعصب الأعمى .. فهل من يقرأ ..؟؟


طائفة أو عرق أو قبيلة أو عائلة أو جهة جغرافية الخ آفة خطيرة تهدد وجود المجتمعات والدول كل من يرفع راية هوية فرعية ويتعصب لها على حساب الانتماء للوطن إنما يخون الوطن ولو بطريقة غير مباشرة من خلال تهديد وحدة الشعب ، وغالبا ، فإن من يلجأ للتعصب للانتماءات الأصغر –الهويات الفرعية- إنما يكشف عجزه عن كسب ثقة واحترام الجميع على قاعدة الانتماء الوطني الأكبر للهوية الوطنية المواطنة ليست مجرد بطاقة تحمل اسمك أو رقمك المدني. بل هي وصف مختصر للعلاقة التي تجمع بين أبناء وطن واحد، وتضم خصوصا حقوق الفرد على المجتمع السياسي الذي ينتمي إليه، وواجباته تجاهه.

مجموع أعضاء المجتمع السياسي يشكلون ما يعرف اليوم باسم ''الأمة'' أو ''الشعب''. إن كانت هذه الظاهرة خطيرة بالنسبة للدول والمجتمعات المستقلة فهي أكثر خطورة بالنسبة للشعوب الخاضعة للاحتلال كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني حيث تكون الحاجة للوحدة الوطنية أكثر إلحاحا لمواجهة عدو متفوق طامع بالأرض ومهدد للهوية الوطنية بل للوجود الوطني. كانت الهوية الوطنية في أوجها عندما كان الشعب الفلسطيني يواجه الاحتلال بالثورة والانتفاضة حتى إن الفلسطينيين رفعوا شعار (هويتي بندقيتي) فالاحتلال ومعاناة الغربة وحدا وصهرا الجميع في الوطنية ،

هذا التداخل والتماهي بين كل الفلسطينيين جاء نتيجة عملية صهر في بوتقة الهوية الوطنية التي أكدت عليها الثورة الفلسطينية المعاصرة . في ظل العملية الثورية والنضال الوطني المتجه صوب العدو لم يعرف الوطنيون الفلسطينيون هويات فرعية متناحرة أو انتماء إلا لفلسطين الأمر الذي جنبهم الوقوع في متاهات الصراعات العرقية والطائفية والجهوية التي تعاني منها اليوم كثير من الدول العربية والإسلامية، إلا أن توقُف المواجهة الساخنة مع العدو وحالة الانقسام أفرزت تداعيات سلبية على وحدة وتماسك المجتمع والهوية . أيا كان الأمر، فإن مبدأ المواطنة، والعلاقات القائمة على أرضيتها، تمثل اليوم الرابطة الوحيدة أو الرئيسة بين الأفراد وبين وطنهم. في هذا الزمان لم يعد ثمة قيمة سياسية للهويات الفرعيه. هذه الهويه الفرعيه تصنف الآن ما قبل الدولة. وهي قائمة في المعنى الثقافي والاجتماعي، لكنها مجردة من المضمون السياسي. لا نقر طبعا بالتعارض بين الهوية الفرعية والهوية الوطنية الجامعة. وحين يشهد المجتمع تعارضا فعليا بين الاثنين، فيجب على النخبة أن تقرع أجراس الخطر، فهو يشير إلى خطأ ما، في مكان ما، يجب تداركه، وإلا تحول إلى خط انكسار في المجتمع السياسي. لا يمكن تجريد الفرد من هوياته الصغرى أو الفرعية، فهي تمثل خلاصة تاريخه، وهي الخيط الذي يربطه بمحيطه الاجتماعي. ولو حاولنا قسره على التنكر لأي من هذه الهويات، فسنخرج بشخصية ممزقة أو ''نفس مبتورة'' .

الحل الصحيح هو ترتيب العلاقة بين هذه الهويات على قاعدة الفصل بين وظائفها. تتركز الوظيفة السياسية في الهوية الوطنية التي تربط بين جميع أعضاء الوطن الواحد. بينما ينشط المضمون الثقافي والروحي كمحتوى رئيس للهويات الفرعية التي تجمع بين الفرد ومحيطه القريب، سواء كان جماعة دينية أو قبيلة أو قرية أو عرقا... إلخ. هكذا فعلت المجتمعات المتقدمة التي واجهت إشكالية الهوية، وهكذا نجحت في تلافي خطوط الانكسار. نحن لسنا بدعا من الأمم، ولا نحتاج لإعادة اختراع العجلة. في القديم والحديث، كان أعقل الناس من قرأ تجارب غيره واتعظ بنتائجها.