موت اللاجئين السوريين بسبب البرد والصقيع




المجتمعات العربية بحالة فصام ثقافي حضاري سياسي تاريخي تؤثر سلباً على وحدة المجتمعات العربية وتماسكها ، تنذر بما هو أسوأ من ذلك في ظل حالة التشرذم والاقتتال الداخلي ، الذي ينتشر من قطر إلى آخر،لا أخوض بحديث السياسة ومهاتراتها وسمومها وعقاربها وسماسرتها ، ولا أتحدث عن ديانة أو مذهب أو عقائد وما تنتجه من حروب واقتتال ساذج ، ولا أتحدث بقومية ولا عرق تذبح البشرية به وله ولأجله ، حديثي من جانب أنساني واحد لا غير ، هل يعقل أن بلادا صغيرة وجميلة ووادعة كسوريا تكون غرضا لكل قطاع طرق الدنيا ، وغرضا لكل وحش وناب وظفر في غابتنا التي نعيش ، أيعقل أن تكون أول عاصمة مدنية في الدنيا حلماً لكل خنجر وسيف وقذيفة مأجورة وموتورة ، أيعقل أن تتضافر كل قوى الظلام والوحشية والهمجية ضد ست الستات وعروس الأوطان دمشق ليمزق فستان فرحها الأبيض ، وتقف الدنيا تتفرج وتستمع وكما قال الشاعر العراقي عن فلسطين ( فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها وسحبتم كل خناجركم ، وتنافختم شرفاً ) ، حتى هذه فقدناها ولم يعد عربيا تسمع له صوتا منددا لما فعله وأججه أسلافهم وما أنتجه فكرهم المشوه ، أيعقل أن الساحرة الفاتنة التي تهدي عشاقها الياسمين الشامي والنرجس على ضفاف بردى تعاقب بكل هذه الوحشية والحيوّنة ، أيعقل أن تكمم كل الأفواه ولا أحد يفلت كلمة لهذا الشعب العربي الإنساني العظيم ، ماذا ولماذا يعامل الشعب السوري هكذا وبهذه الهمجية والتترية ، ألانه يرفض المشاريع الظلامية التي تبتلع تاريخه المشرف في كل ميادين الإبداع الإنساني ؟ ان يموت عدد من اللاجئين السوريين بسبب البرد والصقيع ونقص مواد التدفئة في مخيمات اللجوء داخل الدول العربية التي يوجد مخيمات للاجئين فوق أراضيها ، ونحن نعيش في الألفية الثالثة ، لهو عار كبير على الأمتين العربية والإسلامية أولاً ، وعلى المجتمع الدولي المنافق ثانياً ، وعار على الإنسانية جمعاء .


 أن يموت أحد في بعض أماكن إقامتهم جوعاً ، والطعام على مسافة أمتار ، هذا انهيار وانحطاط لكافة القيم والمُثل الإنسانية ، فما جدوى أية قيمة أخلاقية مادام جوهر الحياة نفسه أصبح مهدداَ بالفناء . أن يموت آلاف السوريين ومثلهم من الفلسطينيين السوريين غرقاً في أعماق البحار ويتحولون طعاماً للأسماك وهم يحاولون النجاة بأرواحهم وأرواح أطفالهم هرباً من جحيم الحرب ،ثم يقعون فرائس بين أيدي المهربين وتجار البشر قبل أن يتلاشون هم وأحلامهم في حياة كريمة بعرض المحيطات ، لهو فضيحة الفضائح لهذا العالم المجنون المنافق الذي يتشدق بمعزوفة حقوق الإنسان ، لكنه نسي أن يخبرنا ان ما يعنيه هو الإنسان الغربي ولم يكن يقصد بطبيعة الحال السوري او العربي . أن يكون الشغل الشاغل للعديد من وزارات الداخلية العرب هو إصدار حزمة قوانين تليها حزمة أخرى خاصة بالسوريين ، تفرض عليهم الحصول على تأشيرات مسبقة لدخول هذه الدول ،وتقوم بالتضييق عليهم في الدول التي يقيم ملايين من اللاجئين السوريين على أراضيها ،بحجة المحافظة على البنى التحتية لهذه الدول وعدم استهلاكها ، او بحجة عدم منافسة العمال المحليين ، واقل أجراً وتطلباً ، أو بذرائع تتعلق بالأمن العام والسلامة لتلك الدول وتصوير اللاجئ السوري كمصدر خطر محتمل ، فهذا والله لمنكر عظيم . أن يتم الإعتداء على اللاجئين السوريين نهاراً جهاراً في عدد من هذه الدول العربية من قبل بعض المواطنين ، أو من قبل بعض رجال الأمن ،والتشفِّي منهم لأسباب مرتبطة بالتاريخ أو الجغرافيا ،فهذا عيب كبير ونقيصة بحق السوريين ..

سورية كانت الدولة العربية الوحيدة التي فتحت مطاراتها ومراكز حدودها البرية والبحرية أمام العرب جميعاً بكافة جنسياتهم دون استثناء دون أية تأشيرات من أي نوع كان ،فالعربي كان يدخلها ويعامل معاملة السوري دون أي تمييز ،وكان يحق له التملك وإقامة شتى أنواع المشاريع التجارية . سورية كانت الدولة الوحيدة التي لم تقم خياماً للاجئين على مر التاريخ ، لأن العربي فيها كان دوماً أخاَ عزيزاَ وصاحب بيت ،لم يكن يرضى السوريين أن يشعر العربي بأي مهانة وهو بينهم ، فهكذا تعاملوا مع الفلسطينيين ومن بعدهم اللبنانيين والعراقيين واليمنيين والجزائريين وغيرهم من العرب الذين تدفقوا على سورية بمئات الآلاف في فترات زمنية متعاقبة ومختلفة على أثر أحداث دامية شهدتها بعض الدول العربية . عرب عاشوا في سورية سنوات قليلة او لعشرات السنين بكل احترام ومحبة دون أي تتم الإساءة لهم ولا بأية طريقة ،معزَّزين مكرمين ، كل السوريين دون استثناء فتحوا صدورهم وقلوبهم قبل بيوتهم للعرب الذي هربوا من بلدانهم بسبب الحروب أو لأسباب أخرى ، وعاملوهم كأنهم أحد أفراد الأسرة دون مبالغة . دمشق كانت عاصمة الأمويين ،وأصبحت رمز لكرامة العرب وكبريائهم وعزتهم ، وأهل سورية هم الأكثر اعتزازاً بعروبتهم ، ومن أكثر الشعوب العربية شهامة ومروءة وكرم وحُسن ضيافة،وكذلك فأن السوريين شعب لايرضى أبداً أن يكون عالة أو عبءً على أحد ،فهم شعب متعلم مثقف ،نشيط ويحب العمل ، وهو شعب مبدع في الصناعة والتجارة ، شعب ودود عالي الهمة . إن شعب بهذه الخصال والصفات لايستحق أبداً أن يُهان أو يتعرض للإذلال من أية جهة كانت . نشعر بالحزن الشديد وبالخزي والعجز حين ننظر ونتابع مأساة سورية ومعاناة السوريين في الداخل والخارج ، فهولاء الكرام أصبحوا يعانونون من شظف العيش ، بل من المجاعة ، وتهددهم الأمراض التي صارت تفتك بهم ،ناهيك عن حرمان جيل كامل من مقاعد الدراسة ، وضياع جيل آخر ، . هؤلاء السوريين فقدوا منازلهم وأراضيهم الزراعية ، ووظائفهم ومنشآتهم ،ومدارسهم ،والكثير منهم فقد جزء من افراد عائلته قتلاً أو خطفاً أو غرقاً.
بقلم جمال ايوب