عملية باريس إستهدفت الجميع
هل هذا حصل صدفة ؟ أم أن القدر لعب لعبته النبيلة في كشف المفترين والمدعين والمتطرفين ؟؟ هل حصل صدفة أن ضحايا عملتي باريس ضد الصحيفة الفرنسية والمتجر اليهودي هم من المسلمين والمسيحيين واليهود ، من أصحاب الديانات الثلاثة ، ثلاثتهم سقطوا ضحايا الإرهاب العابر للحدود ، حيث لا دين ولا قومية له ، فالتطرف سلوك وأسلوب وخيار واحد سواء كان منفذيه من المسلمين أو المسحيين أو اليهود ، وسواء إستهدف المسلمون أو المسيحيون أو اليهود ، فالذي سبق باريس ، جرى في باكستان حينما نفذت حركة طالبان عملية وصفتها بالجهادية ضد تلاميذ مدرسة جميعهم من المسلمين ، وعلى أيدي " جهاديين إستشهاديين " مسلمين ، وكانت نتيجتها أكثر بشاعة مما جرى في باريس ، بقتل 142 تلميذاً مع معلمين لهم أبرياء .
في باريس ، تصدى عامل فرنسي مسلم من أصل جزائري لمنفذ العملية ، في المتجر اليهودي ، وحمى أرواح فرنسيين من اليهود ، إلى الحد الذي لم يستطع نتنياهو رئيس حكومة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلية ، تجاهل الواقعة والأشادة بدور العامل المسلم وشجاعته في التصدي لمنفذ العملية ، وخلال هروب منفذا عملية شارلي إيبدو ، تصدى لهما شرطي فرنسي مسلم ، وقُتل على أيدي أولئك الذين وصفتهم داعش والقاعدة ، على أنهم من المجاهدين .
نتنياهو الذي فرض نفسه على السلطات الفرنسية ، لم يكن مرغوباً مشاركته في مسيرة الإحتجاجات التي دعا لها وقادها الرئيس هولاند ، فرض نفسه بطريقة تطفلية ، تفتقد للياقة وحُسن التصرف ، في الصف الأول ، لإظهار نفسه عُنوة ، خدمة لأغراض متعددة أولها تغطية لجرائمه التي إقترفها ضد الشعب الفلسطيني منذ توليه رئاسة الحكومة لأول مرة عام 1996 ، وليس إنتهاءاً بمحرقة غزة ، في شهري تموز وأب 2014 وسقوط مئات الضحايا من المدنيين وتشريد عشرات الألاف من العائلات بعد تدمير بيوتهم .
كما أظهر مباهاته ، كما جاءت في تصريحاته المستفزة للفرنسيين ، من خلال محاولة تحريض الطائفة اليهودية لدفعها نحو ترك وطنها الفرنسي ، للهجرة إلى أرض الفلسطينيين ووطنهم ، الذي لا وطن لهم سواه ، مما يسبب مزيداً من المعاناة للشعب الفلسطيني ، ومزيداً من الأحقاد ، وتناقض المصالح ، وإستمراراً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، بدلاً من العمل على معالجته على طريق إنهائه ، والتوصل إلى تسوية واقعية تضمن مصالح الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي .
عمليتا باريس ، بضحاياها من المسلمين والمسيحيين واليهود ، لم تكن صدفة بل هي رسالة من السماء رداً على المتطرفين اليهود الذي يمثلهم نتنياهو ، ورداً على المتطرفين المسلمين من تنظيمي القاعدة وداعش ، ورداً على المتطرفين المسيحيين الذين يقودون المظاهرات ضد المسلمين في فرنسا وبعض البلدان الأوروبية ، ورسالة القدر تنبه المؤمنين التقاة أن الأخوة والصلة والإيمان لا صلة له بالإرهاب والتطرف والتحريض الأرعن ، وها هم ضحايا عمليتي باريس يثبتون ذلك ، سقطوا ضحايا الإرهاب الذي لم يفرق في إرتكابه لجريمتي باريس ، بين المسلم والمسيحي واليهودي .
محاولات نتنياهو الإنتهازية لها خلفية صهيونية ، ومرجعيتها قادة الحركة الصهيونية الذين وظفوا المحرقة والمجازر التي إرتكبها النازيون الألمان ، والفاشيون الطليان ، ضد اليهود قبل وخلال الحرب العالمية الثانية ، مع أن جرائم النازيين والفاشيين لم تقتصر على اليهود ، بل شملت كافة الشعوب الأوروبية ، وسقط ضحيتها خمسين مليوناً من البشر ، بسبب تلك الحرب ودوافعها وعملياتها ، ومع ذلك تم توظيفها لتنفيذ المشروع الصهيوني على أرض فلسطين العربية .
ألاعيب نتنياهو لن تنطلي ، لا على الفرنسيين ، ولا على الناخبين الإسرائيليين الذين يعرفون دوافعه ، ولن تنخدع بها الطائفة اليهودية في فرنسا ، التي تعيش مثل كل الفرنسيين في الإستقرار والطمأنينة ، لأن فلسطين للمهاجرين الأجانب بأصولهم وقومياتهم المتعددة ليست أفضل حالاً من فرنسا وتقدمها وديمقراطيتها ، ودلالة ذلك ، أن الشعب الفرنسي بطوائفه من المسيحيين والمسلمين واليهود دفعوا ثمن الإرهاب ، الذي لم يفرق بينهم ، وتعامل معهم كأعداء سواء كانوا من المدنيين أو عمالاً أو رجال شرطة مخلصون لمهنتهم ووظيفتهم ، وبالتالي فهو لم يستهدف اليهود دون غيرهم بل سقط ضحيته فرنسيون من كافة الطوائف ، بينما في فلسطين تُرتكب الجرائم ضد المسلمين والمسيحيين ، بشكل متقطع ودائم ، إلى الحد الذي إعترف فيه المستوطنون اليهود في القدس أمام المحكمة ، بحرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير حياً .
h.faraneh@yahoo.com