عين الصياد حين تنام
رحل أبو عزيز، خالي عبد الله، قبل موعد مع فراس لاخراج فيلم عن هذا الصياد وأودية الأردن السحيقة المهيبة، إذ كان هذا الضابط المتقاعد يخيم لعدة ايام في تلك الأودية والسفوح، وهو يحوم حول أوجار الذئاب، ومجمعات الماء العالية التي ترد النسور عليها، وما تبقى من الماعز الجبلي والحجل، ويعود بشاحنته رباعية الدفع محملا بالغنائم.. ولم يطلق النار مرتين على فريسة واحدة فعين الصياد لا تخطئ..
ومن جملة ما أذكر من تلك الغنائم "كتف الضبع" لعلاج مرض اصاب والدي، وحاولت والدتي طبخه لساعات طوال دون جدوى… فلحم الوحش عصي على نار الانسان…
وكان عبدالله، خالي، قبل عالم البنادق في الثكنات والسفوح ، عازفا لا يفارقه العود وصوت عبد الوهاب وعبد المطلب وام كلثوم…
وكان يتنافس مع شقيقي، الأكبر، ابو وائل في حفظ الشعر واقتناء الكتب، ولكم ان تتخيلوا قبل نصف قرن تقريبا، سيرة ضابط في الجيش الأردني، يمضي عطلته بين العود والندامى والكتب والنقاش في قضايا عامة وبين "الرقص مع الذئاب".
كان ابو عزيز، خالي عبدالله المحادين، أول من لفت انتباهي الى تلك الأودية، وراح يحذر من تجاهلها، ولم أفهم ذلك الا لاحقا..
كان ارتياد اودية الموجب وعسال والاودية التي تنتهي في البحر الميت قد كشف عين الصياد وقلبه عن قضية مهمة لا تزال غائبة عن الاعلام بل والامن الوطني الأردني والعربي حتى اليوم.
وقد انتبه ابو عزيز لذلك لاول مرة كشاهد عيان، ثم راح يستكمل ملحوظاته في بطون الكتب، ومنها ملحوظات لم تطرق بال المثقفين المتخصصين والمهتمين بعوالم الاستشراق المريب..
وعلى خلاف بطل "قلب الظلام" لكونراد، وبراندو في فيلم "القيامة الآن" فإن المغامر في الأودية المذكورة، الضابط الصياد، ابو عزيز، كان من "السكان الأصليين" فاسترعى انتباهه هائمين جوابين يزعمون انهم يحملون جنسيات اجنبية، ولم يكونوا سوى موظفين في قسم الاستشراق الاسرائيلي.
ماذا يفعلون في تلك الاودية، كان يسأل ويتلمس بنادقه في كل مرة ويعود الى كتبه التي تفسر جانبا من ذلك، من خشخشة الاشواك الى رحلة بيركهارت، الى كذبة الاكاذيب في "أرض مؤاب" في عقل المستوطنين الصهاينة الاوائل، فاودية الاردن، لم تكن يوما ولن تكون ارضا اسرائيلية..
من المفارقات الاخرى لهذا الصياد الضابط، حضور زواجي في دمشق واطلاقه النار في عرس "فدائي" اردني، هو انا. وعندما استدعاه، دولة السيد أحمد عبيدات وكان مديرا للمخابرات وسأله كيف يشارك الفدائيين عرسا لاحدهم ، حتى لو كان ابن عمته، أجابه: نحن في الأردن يا باشا.