التصويت محطة على الطريق
ليست المرة الأولى التي أخفقت فيها الولايات المتحدة في تحقيق تسوية معقولة ومنطقية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، فقد أخفق الرئيس كلينتون شخصياً في مفاوضات كامب ديفيد في تموز 2000 بين الرئيس الراحل ياسر عرفات ويهود براك ، وأخفق الرئيس بوش في التوصل إلى نتائج في أعقاب مفاوضات أنابوليس 2007 – 2008 بين الرئيس محمود عباس ويهود أولمرت ، وأخفق الرئيس أوباما طوال ولايته الأولى 2009 – 2013 عبر مبعوثه جورج ميتشيل ، في كسر حدة التطرف الإسرائيلي ، مثلما أخفق مع وزير خارجيته جون كيري منذ بداية ولايته الثانية في دفع حكومة المستوطنين التوسعية من التجاوب مع إستحقاقات التسوية ، رغم أنها غير عادلة ، وفي العديد من مضامينها ، لا تتجاوب مع قرارات الأمم المتحدة 181 و 194 و242 و1397 و1515 .
وليست المرة الأولى التي تعلن فيها ومن خلالها الولايات المتحدة إنحيازها الفاقع للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وتشكل غطاء له ، ودعماً لسياساته ، وتحميه من المسائلة الدولية ، إلى الحد الذي وصف فيه عضو مجلس الشيوخ الأميركي ، الجمهوري ليندزي غراهم أثناء زيارته لفلسطين وإجتماعه مع رئيس حكومة المستوطنين نتنياهو يوم 27/12/2014 ، في معرض وصفه لتداخل العلاقات الأميركية الإسرائيلية بقوله " إن مصير إحدى الدولتين أميركا وإسرائيل ، يحدد مصير الدولة الأخرى " تعبيراً عن إندماجهما وتوافق مصالحهما ، ولذلك لا أمل مرتجى من تغير جوهري في الموقف الأميركي ، طالما أن نفوذ اللوبي الصهيوني ، والطائفة اليهودية وتأثيرها ، ما زال قوياً داخل الإدارة الأميركية ولدى الكونغرس ، بفعل المال والإعلام والأصوات الإنتخابية ، مما تجعل من الإدارات الأميركية المتعاقبة سواء كانت من الجمهوريين أو الديمقراطيين في حالة إنحياز دائم للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي .
وهذه السياسة ، الأميركية ، المنحازة للمشروع الصهيوني ، هي التي أوقعت واشنطن في شر مواقفها ، وتصادمها معنوياً بسياسات ومواقف المجتمع الدولي وأغلبية بلدانه ، فقد هُزمت مع إسرائيل في الإتحاد البرلماني الدولي ، وفي اليونسكو ، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة على التوالي ، حين صوتت أغلبية الأعضاء لدى المؤسسات الثلاثة لصالح فلسطين وقبولها وشرعية عضويتها .
ومقابل ذلك ، لا يملك الفلسطينييون ترف المراهنة ، وسعة الوقت ، وعدم دقة حساباتهم ، رغم المعرفة الأكيدة والمسبقة بنتائج التصويت في مجلس الأمن لصالح الأخفاق ، ورجحان كفة التأثير الأميركي الإسرائيلي ، ورغم أن التصويت ، محطة في سياق الصراع السياسي طويل الأمد ، متعدد الأشكال ، بين المشروعين المتناقضين ، بين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وبين المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، حيث أن الفلسطينيين تعلموا من عدوهم ، أنهم لا يستطيعون تحقيق الإنتصار لبرنامجهم الوطني وإستعادة حقوقهم في المسألتين اللتان لا ثالث لهما وهما : أولاً حق إقامة الدولة على أرض الوطن وفق القرار 181 ، وثانياً حق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم التي طردوا منها وإستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها وفق القرار 194 ، بل برمجوا أنفسهم ونضالهم بشكل مرحلي وتدريجي ، فقد ولدت الصهيونية عام 1897 ، وحققت الدولة عام 1948 ، وإحتلت كل فلسطين وسيطرت عليها عام 1967 ، ولا تزال ، وهكذا هو النضال الفلسطيني ، التدريجي متعدد المراحل لإستعادة حقيّ الدولة والعودة .
إخفاق التصويت في مجلس الأمن ليس نهاية المطاف ، فقد فشلت الصين أربعة عشر مرة منذ ولادتها عام 1949 ، حتى قبول عضويتها عام 1963 ، وأخفق الأردن خمس سنوات في قبوله لدى الأمم المتحدة ، بعد وحدة الضفتين الأردنية والفلسطينية ما بين عام 1950 حتى عام قبوله 1955 ، ولكن الصين والأردن نجحتا عبر الإصرار وعدالة القضية ومشروعية المطالب ، وهكذا يجب أن يكون لفلسطين المواصلة مع الإصرار ، شريطة أن تكون معتمدة على شرعية المطالب ، وعلى وحدة الشعب والمؤسسة ، وإعتماداً على البرنامج الوطني المتفق عليه ، من قبل الكل الفلسطيني .
منظمة التحرير وسلطتها الوطنية ، حتى يواصلوا الإنتصار التراكمي ، على الطريق الطويل الشاق والصعب ، أن تعتمد أولاً على صمود وصلابة وأفعال وكفاح شعبها العربي الفلسطيني وتضحياته وبسالته ، والمسنود من العرب والمسلمين والمسيحيين وكل محبي السلام والعدالة في العالم ، فقد حقق الفلسطينييون ثلاثة إنتصارات في تاريخهم بدءاً من إنتصار إستعادة هويتهم الوطنية الممزقة وتشكيل منظمة التحرير والإعتراف بها كطرف واحد موحد في تمثيل الشعب وحقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف أو التبديد أو التلاشي ، مروراً بتحقيق إتفاق أوسلو الذي إعترفت من خلاله إسرائيل وأميركا بالعناوين الثلاثة بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير وبالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وعليه جرى الإنسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا أولاً ، وعودة الرئيس الراحل ياسر عرفات مع أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني ، وولادة السلطة الوطنية كمشروع ومقدمة لولادة الدولة ، وليس إنتهاءاً بالإنسحاب الإسرائيلي ، وفكفكت المستوطنات ، وإزالة قواعد جيش الإحتلال من وعن قطاع غزة ، هذه المراحل الثلاثة 1- الهوية والحقوق والمنظمة ، 2- أوسلو وولادة السلطة ، و3- إنحسار الإحتلال عن قطاع غزة ، لم يتم إلا بفعل النضال ، المتوج بفعل معركة الكرامة 1968 مع الجيش الأردني ، وجنوب لبنان 1978 ، وصمود بيروت 1982 ، وبفعل الإنتفاضة المدنية داخل الوطن عام 1987 ، وبفعل الإنتفاضة المسلحة عام 2000 ، فالنضال هو الأساس ، ليتلوه الفعل السياسي والأداء الدبلوماسي المصاحب ، تلك هي الشواهد والأفعال والوقائع لمن يريد أن يتجنب الإخفاقات ويحقق الإنتصار على عدوه لقضيته العادلة ، سواء في الدولة وفق القرار 181 أو في العودة وفق القرار 194 .
h.faraneh@yahoo.com